في ليلة 17 يونيو من العام 1972 كان حارس مبنى وتر قيت يتثاءب.. بنصف عين أبصر فرناك ويلز خمسة رجال «يتحاومون» حول مكتب للحزب الديمقراطي.. الحارس يبلغ الشرطة ويبدأ الخيط الأول.. إدارة الرئيس نيكسون تحاول التجسس على خصومها في الحزب الديمقراطي.. كرة الثلج تكبر حينما يهاتف صاحب الصوت العميق صحفياً شاباً في الواشنطن بوست.. الصحفي بوب ودورد من ذلك التاريخ يصبح نجماً.. يستقيل نائب الرئيس والنار لا تهدأ.. بعد عامين يضطر الرئيس نكسون لتقديم استقالته ويصبح جيرالد فورد أول أمريكي يشغل منصب النائب الأول ثم رئيس الدولة دون أن تنتخبه الأمة الأمريكية.. المفاجأة أن صاحب الصوت العميق لم يكن إلا واحداً من منسوبي جهاز التحقيقات الفدرالي «اف بي اي ».. استفزه التصرف السياسي الأرعن فاستعان بالصحافة في معركته. قبل نحو عام كنا مجموعة من الصحفيين ضيوفاً على الشيخ حسن الترابي في منزله بالمنشية.. كنت لحظتها أعبث بالهاتف.. ابتسم الترابي ورمقني بنظرة اتهام متسائلاً «انت بتسجل لي يا ظافر».. بعد أن أرخى الليل سدوله استأذنا في الخروج.. على باب الدار القى الشيخ ملاحظة أن أحد المتاجر التي تفتح على بيته يعمل على مدار الساعة.. الغريب أن المتجر المعني متخصص في تجارة العقارات.. وقبلها بأشهر كان الترابي ينظر إلى حائط مكتبه بارتياب.. الشيخ يوقن أن للحيطان آذان. إلى وقت قريب كنت ألوم الترابي على توجسه وعدم ظنه الحسن في تلاميذه السابقين.. بالأمس صرح أمين قطاع التنظيم بالمؤتمر الوطني أن منسوبي الحزب الشعبي يوفرون المعلومات للحزب الحاكم.. حامد صديق كان في حديثه يشير لمعلومات رشحت عن لقاء قمة التأم بين الترابي والمهدي ببيت الدكتور كامل إدريس.. بغباء سياسي أحرج حامد صديق الصحف التي نشرت أن الرجال الثلاثة يتآمرون على رفاقهم في تحالف المعارضة.. بمعنى أن أمين التنظيم أكد أن مصدر المعلومات لم يكن إلا الحزب الحاكم.. وبالتالي أضعف مصداقيتها. لم يكتفِ أمين التنظيم بالحزب الحاكم بالإقرار بجريمة أخلاقية.. بل دعا الغواصات الشعبية إلى الانضمام علناً لحزبه.. الذين تبرعوا بخيانة شيخهم سيكون من اليسير لهم بيع حزبهم الجديد.. تلك قاعدة فطن لها القائد نابليون حينما رفض أن يصافح أحد الجواسيس ورمى له ببعض المال.. انكسر العميل وأحنى قامته لينال جزاءه العادل. اعتقد أن الممارسة السياسية في السودان بحاجة إلى جرعة أخلاقية.. هل كان كامل إدريس يحتاج إلى الاجتماع خلسة بزعيمي المعارضة في السودان.. من قبل دعا كامل إدريس كلاً من الترابي والمهدي للاجتماع علناً في جنيف.. لماذا احتاج ذات الرجل وبعد عشرين عاماً من التطور.. إلى تغيير أسلوبه من العلنية إلى السرية. في تقديري أن على الحزب الحاكم ممثلاً في المهندس حامد صديق.. أن يعتذر عن سعيه في التلصص على أنشطة المعارضة السودانية.