قال تعالى: «رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحاً ترضاه واصلح لي في ذريتي إني تبت اليك وإني من المسلمين» وقال صلى الله عليه وسلم: «ما نحل والد ولده نحلة أفضل من أدب حسن يفيده إياه أو جهل قبيح يكفه عنه ويمنعه منه». رواه الترمذي المعنى أن افضل ما يهب والد لولده حسن الأدب، ولا شك أن ذلك خير من صفوف الأموال والاستجار.. عند حلول شهر مارس من كل عام تبدأ العطلة الصيفية، وهذا تقليد قديم تتبعه وزارة التعليم مع بداية فصل الصيف- تغلق المدارس أبوابها وينصرف الطلاب الى منازلهم لقضاء فترة العطلة لمدة ثلاثة أشهر حتى تفتح المدارس فصولها، وهذا أمر طبيعي ومعتاد، وكل شيء يتم في هدوء تام- ولكن كان يحدث ذلك عندما كان المجتمع نقياً طاهراً متراحماً، الكل يعرف بعضه البعض وتسود العلاقات والتآلف والحميمية، والجميع يساهم في تربية الأبناء والكل يتحمل مسؤوليته في تربية أبنائه وأبناء الغير بصورة عفوية، نابعة من أخلاق المجتمع، لذا لم يكن هناك ما يدعو للقلق والخوف من تفرغ الطلبة في العطلة طالما كان المجتمع سليماً متعافياً. ولكن أتى علينا زمان اختل فيه ميزان الحياة، فتقطعت أوصال المجتمع، وسادت روح الفرقة والشتات، وانعدمت المروءة والشهامة، وسيطرت روح السلبية، وأصبح المجتمع مفتوحاً لاستقبال- وبكثافة- غزو الوافدين الأجانب ومن الداخل حيث الهجرة غير المنظمة، وما بين الوافدين ربما تسربت عناصر شريرة، فأفرز المجتمع أنماطاً من البشر تجاوزوا عالم الإنسانية الى عالم الحيوانية والوحشية، وهم الذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة، وتجاوزا حدود الله - كل همهم تحقيق رغباتهم واشباع شهواتهم- جرائمهم لا تستثني صغيراً ولا كبيراً، ولا رجلاً ولا امرأة- وطغت على السطح صنوف من الجرائم البشعة القبيحة والغريبة على مجتمعنا الفاضل، وبدأنا نطالع في الصحف يومياً جرائم مثل: التحرش بالأطفال، الاغتصاب الجماعي، اغتصاب المحارب، زواج المثليين، قتل الطالبات باستخدام السلاح الناري، الشذوذ الجنسي، عصابات الاتجار بالبشر، جماعات التنصير، عصابات النقرز، أندية المشاهدة المنفلتة، انتشار المخدرات الفتاكة بمختلف أنواعها، تجارة الخمور، عودة عدد كبير من السودانيين المهاجرين العائدين من اسرائيل، ولا نعلم ما وراء ذلك، ونتمنى أن تكون توبة.. وأيضاً الجدير بالذكر ما بدر من الشباب إبان وفاة المرحوم الفنان محمود عبد العزيز، وكأنما الشباب يعترض على حكم الله والموت حق وهو سبيل الأولين والآخرين وما علينا إلا أن نرضى قضاء الله وقدره. لذا وبإعلان العطلة الصيفية هذا العام دق ناقوس الخطر، بعد أن غابت الرقابة المدرسية، تبعها غياب الرقابة الأسرية.. حيث انشغال عائل الأسرة وربما الوالدة ايضاً للسعي وراء الرزق لتوفير متطلبات الحياة في هذه الظروف الضاغطة والغلاء الطاحن، مما يستدعي خروج الوالدين لدعم ميزانية الأسرة، وبالتالي غياب الرقابة الأسرية بالإضافة الى غياب الرقابة المدرسية. وبما إننا نعلم تماماً أن العنصر البشري هو أساس نهضة الأمة إذن فليعلم المجتمع كله إنه مسؤول من تأسيس أجيال من الأبناء باتباع أساليب تربوية حديثة، تغرس فيهم روح الاسلام وابتداع مدارس تربى فيها النفوس، وتُهذب فيها الأخلاق وتزكى فيها القلوب، وليعلم المجتمع أن الله محاسبهم وسائلهم عن من ولاهم، وعليه، فالمجتمع مسؤول عن بناء أجيال من الصالحين حماة الدين والوطن الذي ينتظرهم في المنظور القريب لبناء أمة تقية نقية، وليس أجيال محبطة تؤدي الى قتل الأمة والوصول بها الى حالة التيئيس. وعليه فإن كلمة مجتمع تشمل كل من له دور في الشأن الاجتماعي وهم: الأسرة وعليها اتباع أسلوب الترغيب والترهيب والإقناع، اللجان الشرعية وعليها أن تلعب دوراً فاعلاً لحفظ الشباب، الأندية الرياضية وهي معنية بالتربية والرياضة، المساجد في المناطق والأحياء، المؤسسات والمنظمات الدعوية المهتمة بالخطاب الديني والشرعي، المدارس نفسها لعقد دورات تنشيطية، الإعلام المسموع والمرئي والمقروء عليه أن يفتح ذراعيه بابتداع برامج تربوية جاذبة تلبي رغبات الطلبة، الأمن وشرطة المجتمع عليهم العمل على ضبط الشارع. اذاً على هذه الفئة الاجتماعية مجتمعة أن تعمل في فترات العطلة الصيفية على تهيئة جو عام صالح بخلق ذرية صالحة حتى لا يقع الأبناء في مستنقع الرذيلة، ويؤدي ذلك الى تفشي التفكك والانحلال. وعلى الأبناء أن يعلموا أن طاعة ولي الأمر مدرجة في طاعة الله، وقد دلل على ذلك ما جاء في القرآن الكريم عندما خاطب سيدنا نوح عليه السلام ابنه.. قال تعالى: «وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ü قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ». صدق الله العظيم والآية تعني أن سيدنا نوح تذكر ابنه بعاطفة الأبوة وناداه أن يركب السفينة فعصاه الابن، وكان إن غاب عن أبيه الناصح له بالموج فكان من المغرقين. وختاماً: يؤسفني أن أنقل هذه الصورة القاتمة، ولكن علينا أن لا ندفن رؤوسنا في الرمال ونواجه الواقع المرير بكل حزم. وندعو لمجتمعنا وأبنائنا- اللهم يا من هو أقرب من حبل الوريد يا فعّال لما يريد، يا من يحول بين المرء وقلبه- حل بيننا وبين من يؤذينا بحولك وقوتك يا كافي كل شيء، ولا يكفي عنه شيء اكفنا ما يهمنا من أمر الدنيا والآخرة، وحسبنا الله لمن بغي علينا، وحسبنا الله على من كادنا بسوء. أبناؤنا اللهم أرزقهم الحكمة والعلم النافع، وزين أخلاقهم بالحلم، واكرمهم بالتقوى، وجملهم بالعافية، وعافهم واعف عنهم وارزقهم العلم الصالح والصحبة الطيبة. وحسبنا الله ونعم الوكيل ü ضابط سابق-الصافية بحري