بعد زيارة الرئيس المصري محمد مرسي الى السودان، وهي الأولى بعد ثورة يناير، والتي بموجبها انتخب رئيساً لمصر التي عاشت ما يفوق سبعة آلاف سنة مما تعد من أيام تحت وصاية الرجل الواحد، برزت قضية حلايب المحورية في العلاقة بين السودان ومصر، وبعد تصريحات مساعد الرئيس موسى محمد احمد الرجل الأول في جبهة الشرق التي تقع حلايب ضمن الإقليم الشرقي الكبير هاج الإعلام المصري ضد الرجل وأطلقت عليه نيران من إعلام مصر المتجذر في صناعة إضعاف الشخصية السودانية وتدجينها وأسرها للدوران في فلك النخب المصرية وتطلعاتها، والرؤية لتقاطعات القضايا التي تهم مصر والسودان بمنظار الناصرية القديمة أو اتفاقية 1899م والمختزل في أن السودان خلق لأن يكون معبراً لأشواق المصريين.وبالنظر الى قضية حلايب تعتقد نخب مصر وإعلامها أنها مصرية وفقاً لاتفاقية 1899م، والسودانيون يرون سودانيتها منذ 1902م، ولكن المرحلة المفصلية في القضية بدأت في 18 فبراير 1958 م في عهد جمال عبد الناصر الذي أرسل القوات المصرية الى المنطقة، حيث كان الرجل منتشياً بثورته وحلمه العروبي، والملاحظ أن ثورته وقتئذ تجاوزت خمسة أعوام، وكذلك استفاد من هشاشة الحالة السودانية السياسية، وأن السودان نال استقلاله تواً وأن قيادات الاستقلال تنازعتهم أحلام الاتحاد والوحدة والاستقلال، وانشغلوا بإدارة معاركهم الحزبية، مما مكن لعبد الناصر من دخول حلايب، وأحزاب الأمة، والوطني، الاتحادي، يضعان الاستقلال ولحظة الميلاد في جدلية(وادي النيل) الولاء والتمرد، فجأة ينقلب عبود في العام الذي احكم فيه عبد الناصر قبضته على حلايب (غازياً)، معلناً نهاية ما يسمى بالديمقراطية الأولى في عامها الثاني، فكان ميلاد السد العالي، وصمت صوت حلايب في (حلبة) العلاقات السودانية المصرية 33 عاماً وزيادة، ثم فعلها حسني مبارك الخليفة الثاني في الدولة الناصرية في نسختها الثالثة، حيث قامت القوات المصرية بدخول حلايب في 1992م، وبعد أن حاولت الحكومة السودانية التنقيب في المنطقة بحثاً عن البترول، وبدأت مساجلات القانون الدولي بين مصر والسودان 1995م، وفي حقبة الخليفة الثالث حسني مبارك، استغل العقل السياسي الحاكم في مصر ارتماء المعارضة السودانية وحاجتها للدعم المصري من أجل الضغط على الحكومة من زوايا الإعلام والزحف العسكري لإسقاط نظام الإنقاذ الذي ترى فيه الحقبة الناصرية الثالثة مهدداً لأمن مصر، خاصة بعد بروز توجهات الإنقاذ الإسلامية، وهكذا سكت صوت أحزاب المعارضة، وتم حذف حلايب من خارطة تلك الأحزاب، وترك الحكومة لوحدها تناوش نظام مبارك، وبعد 2001 تحسنت العلاقات بين الإنقاذ ومبارك وسكتت حلايب للمرة الثانية (عشرة أعوام)، وفي ابريل 2013 م جاء الرئيس المصري المنتخب في زيارة الى السودان، وتحمل الزيارة مدلولات اقتصادية في المقام الأول إلا أن الإعلام المصري أخذ منها ما تريده النخب المصرية (التليدة).العرض التاريخي المبسط لقضية حلايب، عوامل ظرف الزمان والمكان ودورها في صعود وهبوط القضية في مؤشرات العلاقة بين السودان ومصر، ولكن مرحلة مرسي هذه وتناول الإعلام المصري في هذه الأيام يؤكد حقيقة عارية هي أن النخب المصرية خاصة الإعلامية التي رضعت من ثدي الناصرية بحقبها الثلاث، والتي تعتقد أن السودان حديقة مصر الخلفية (توفيق عكاشة نموذج). وفي الأسبوع الماضي شاهدت دقائق معدودات من برنامج تلفزيوني في قناة المحور المتحدث فيه خبير اقتصادي مصري (مدحت) أكدت لي أن عقلية نخب مصر لم تتغير ومازالت في مرحلة ما قبل الربيع العربي، ومما زاد حزني هو أن أحد قيادات البشاريين داخل حلايب(شيخ محمد طاهر) سخرته قناة المحور للحديث عن الفرق مابين حلايب ما قبل 95 والآن وبلسان سوداني مبين تحدث عن (الأهل في بور تسودان يصفوننا بأننا مفترين لأننا بناكل ثلاث وجبات وهم بياكلوا وجبة واحدة)، أما الخبير المصري مدحت ذكر بأن موسى محمد أحمد مساعد الرئيس السوداني يسعي لفصل شرق السودان عن الدولة المركزية، مثل سلفه سلفا كير، ومن هنا نتوصل الى أن الإعلام المصري شوه الحقيقة في القضية الإستراتيجية، وحول الانتباه وقيادة خط إعلامي بأن حلايب هي قضية مجموعة جهوية وليست قضية الدولة المركزية في السودان، وطرق الانفصال في شرق السودان، لخلق عدم ثقة ما بين البجا والدولة المركزية كما فعلوا من قبل مع جون قرنق. حافر وصهيل إن قضية حلايب ومعالجة الإعلام المصري وتصفية حساباته مع أخوان مصر الذين صعدوا لسدة الحكم في مصر في أول انتخابات مصرية ديمقراطية منذ سبعة آلاف سنة، وهي عملية تحول وجراحة مؤلمة في جسد الحكم والحاكمية في مصر، هذه الظلال جعلت الإعلام المصري يصل حد الاتهام بالخيانة العظمى لمرسي بوعده بالتنازل عن حلايب، هكذا القول، أما إعلامنا سفير الكلم والكاميرا الوجه الآخر للدبلوماسية الناعمة والحادة يعجز في الرد على الإعلام المصري الذي يشوه الحقيقة والشخصية السودانية، وكذلك تفعل السينما المصرية منذ عقود، وعلى إعلامنا أن يعمل على توضيح الحقائق في أن حلايب قضية الدولة المركزية، وليست قضية جهة عرقية (البجا)، حتى لا يمارس إعلام فلول مبارك وصاية علينا بأن جبهة الشرق انفصالية كالحركة الشعبية، وعلى أحزابنا خاصة المعارضة التي تتباكى على حلايب وهي من أضعف موقف الحكومة في 1958م و1995م حينما ارتمت معارضة التسعينات في حضن مصر مبارك (ووضعت في خشمها جرادة) فسكتت عن المباح حتى طال ليلنا، وعلى الحكومة والمعارضة والإعلام أن القضايا القومية لا تقبل درجات الحب والكراهية فهي قضايا مجبر علينا أن نحملها أمانة الوطنية، وأنها لا تقبل قسمة المعادلة السياسية في جدلية الحكم والمعارضة.أخيراً يجري الآن في مطابخ الإعلام المصري إعطاء قضية حلايب بعد انفصالي من خلال تصريحات موسى محمد أحمد، لتشتيت العقل الجمعي السوداني ومن أجل هذا كتبنا من أجل الوطن الغالي نحن جند الله جند الوطن.