في الفصول التالية يرصد الكاتب محمد الباز الشهادات المتصلة بفرضية مقتل مدير المخابرات المصري ونائب الرئيس السابق عمر سليمان، والإحتمالات المضادة لتلك الفرضية من أن الرجل قد ذهب إلى جوار ربه بصورة طبيعية.. وليس من بين كل تلك الشهادات أية معلومة يقينية سواء لصالح هذا الإحتمال أو ذاك- مات مقتولاً أم فتك به المرض.. وفي هذه الحلقة، التي تليها سنحاول أن نقدم موجزاً لأهم الشهادات والروايات من خلال علاقات عمر سليمان السياسية والدولية، والأدوار التي لعبها سلباً أو إيجاباً تجاه هذا الفريق السياسي أو ذاك، ومن خلال «الخدمات العابرة للقارات» التي كان يقدمها لأصدقائه عبر البحار وفي محيط بلاده الأقليمي، ما جعل منه ربما أهم مدير مخابرات في العالم على مدى عقود من الزمن. ف يقول الكاتب، بشكل حاسم أنه لا أحد يملك «كلمة فصل واحدة في نهاية عمر سليمان» والذين يعتقدون بمقتله غدراً في مستشفي كليفلاند بأمريكا يعتمدون على تقارير صحفية تناثرت في الصحف المصرية، وربما دون أن ينتبه لها أحد.. والذين يعتقدون بأن مؤامرة إغتياله حيكت قبل موته بشهور، يعتمدون على بلاغات قدمت بالفعل إلى النائب العام دون أن يدري أحد ما الذي جرى فيها ولها بالضبط، أما الذين يعتقدون أن الرجل مات موتته التي كتبها له الله، فيعتمدون على تقارير طبية صادرة عن المستشفى الأمريكي تقول إنه لا مؤامرة ولا اغتيال، والأمر كله قضاء وقدر حتي لو كان غريباً ومريباً، فالأقدار لا تفعل بنا إلا الغريب والمريب. ف من بين شهادات الذين يرجحون الوفاة الطبيعية لسليمان الخبير الإستراتيجي اللواء سامح سيف اليزل، المعروف بقربة من دوائر المخابرات، وكان قريباً من عمر سليمان.. وقال سيف اليزل إن سليمان كان مقيماً في الفترة الأخيرة بدولة الإمارات، وهناك شهدت صحته تدهوراً سريعاً، فرافقه أحد الأطباء المصريين الذين كانوا معه إلى ألمانيا، وهناك تم سحب كميات كبيرة من المياه المترسبة على الرئتين لمساعدته على التنفس، بعدها ذهب إلى الولاياتالمتحدة التي وصلها فجر الإثنين 16 يوليو 2012م، حيث كشفت الفحوصات عن «داء النشواني» الذي أثر على وظائف العديد من أعضاء الجسد خاصة الكلى والقلب والرئتين، وتقرر إجراء عملية بذل جديدة يوم 18 يوليو، فلم يتحمل سليمان فتوفى فجر الخميس 19 يوليو. ف بجانب هذه الشهادة، كانت هناك شهادة الكاتب الصحفي الكبير «جهاد الخازن» الذي يقول: كنت أعرف أن اللواء يعاني من مرض القلب والرئتين، إلا أنني جلست معه ثلاث ساعات في مايو 2012م، ولم أر منه سوى صحة وعزيمة ورغبة معلنة في العودة إلى المعترك السياسي، وعندما قرأت على شريط أخبار التليفزيون خبراً عاجلاً عن وفاته في كليفلاند، فكرت أنه قتل لكتم أسراره، ثم استبعدت ذلك لشهرة المستشفى الذي يعالج فيه ويضيف الخازن: « بعد دقائق تلقيت إتصالاً من طالبة دكتوراة في لندن، أصرت على وجود مؤامرة، و أن الأمريكان إغتالوا اللواء سليمان، ونسبت رأيها لحماسة الشباب، إلا أنني فوجئت بعد ذلك أن كل من أعرف من خبراء و زملاء وأصدقاء أصر على أن اللواء أغتيل أو رجح ذلك، وكان الغالب على تفكير هؤلاء أنها مؤامرة أمريكية- صهوينية. لا يجزم الخازن كما يقول هو بشيء، ولكنه حاول أن يصحح صورة اللواء عند ناس لا يعرفونه، ولا يطلب سوى رحمة ربنا له ولنا جميعاً. فتقارير أخرى تناثرت في صفحات الصحف يراها الكاتب مهمة ولافتة لنظر من يبحث عن الحقيقة، من ذلك مثلاً تقرير جريدة «روزاليوسف» في 3 أغسطس 2012 عن «إختفاء العينات الحيوية الخاصة بملف المريض المصري» عمر محمود حسين سليمان «من داخل ثلاجات حفظ العينات في مستشفى كليفلاند الجامعي بولاية أوهايو والتي أخذت في وقت سابق وآخر لاحق للوفاة طبقاً لإجراءات طبية مقننة، وتصل في مجموعها إلى 16 عينة تشمل حتى شعر الرأس والنخاع الشوكي والدم، وكان من المفروض حفظ كل العينات مع تقارير وصف الحالة الطبية وصور الأشعة وتفاصيل رسم القلب والمخ، التي أخذت من الجنرال قبل وفاته بشكل مباشر، وطبقاً للقانون الفيدرالي الأمريكي فإنه يتوجب حفظ هذه العينات في ثلاجات مخصوصة لمدة لا تقل عن «عشرة أعوام» كاملة وتعرف بالإرشيف الحيوي وتحت أقصى درجات السرية، وذلك لإتاحة البيانات الحيوية لكل مريض عند الحاجة لإجراء أي نوع من التحقيقات التي يمكن لأسرة المتوفي أو للسلطات السياسية أو القضائية أن تطلبها، وتحدد القوانين عقوبات مشددة في حالة تدمير أو إخفاء هذه البيانات.. وقال تقرير الصحيفة إن ملفات البيانات والتقارير الطبية الورقية الخاصة بحالة المتوفي عمر سليمان قد اختفت تماماً من سجلات المستشفى، بعد أن نسخت ثلاث نسخ ذهبت إلى المباحث الفيدرالية، والمخابرات الأمريكية، وهيئة الأمن القومي الأمريكي بالتوالي... لتصبح بذلك ومنذ تاريخ الوفاة «سراً من أسرار الأمن القومي الأمريكي» لا يكشف عنه إلا بعد مرور 50 عاماً كاملة !! ويخلص التقرير إلى ملاحظة مهمة وهي أنه لم تجر لسليمان اختبارات خاصة بالسموم المتطورة رغم الوفاة الغامضة والسريعة، التي قد تتعرض لها الشخصيات المهمة خصوصاً العاملة في أجهزة المخابرات العالمية، للتأكد من عدم تعرضه مثلاً لسموم «البولونيوم المشع» التي تستخدمها أجهزة المخابرات الشرسة كما حدث في حالة الرئيس ياسر عرفات.. لم ينته تقرير «روزاليوسف» قبل ينسب إلي «أطباء داخل مستشفى كليفلاند- اشترطوا عدم ذكر بياناتهم- أن وفاة الجنرال سليمان فيها شواهد عملية من الغموض، جعلتهم يتشككون في تعرضه لحالة غامضة من حالات السرطان المتقدم دون تفسير علمي أو تاريخ طبي للمرض ..«والتقرير بهذه الطريقة لا يشفي غليل أحد ولا يجيب على أي من الأسئلة الشائكة والمحيرة. فتلقي الكاتب الباز نسخة من البلاغ الذي تقدم به السياسي المصري محمد فريد زكريا- عضو مجلس شوري سابق- إلى النائب العام يتهم فيه المخابرات الأمريكية بشكل واضح بإغتيال عمر سليمان، ويقول زكريا في البلاغ- نصاً- أنه كان على علاقة وثيقة مع اللواء سليمان ثم انقطعت لمدة خمس سنوات، ومنذ أكثر من شهر تقريباً رن الموبايل برقم غير مرئي فسمعت متحدثاً يقول: إزيك يا فريد عامل إيه، فقلت الحمد لله مين سيادتك، فقال أنا عمر سليمان، أنا في مستشفى وادي النيل- يتبع الأجهزة الأمنية- أحضر الساعة التاسعة مساءً وستجد من ينتظرك على الباب انتهت المكالمة وذهب فريد زكريا إلى المستشفى، فقابله شخص من طرف سليمان وأدخله في سرية تامة إلى «سويت» جناح خالي من المرضى في الطابق الثالث، وبعد عشر دقائق حضر عمر سليمان وهو فاقد أكثر من 15 كيلو من وزنه المعتاد و يستكمل زكريا روايته فيقول: قال اللواء سليمان لقد إخترت الإتصال بك لأنهم لن «يتوقعوا» أن أتصل بك، ثم قال لقد «تعرضت يا فريد لعملية إغتيال ناجحة من الأمريكان» وكانت متوقعة، ثم كشف لي عن أخطر الأسرار، أهمها والمسموح به الآن أنه تصدى لمخطط أمريكي إسرائيلي بتوطين 750 ألف فلسطيني في سيناء على دفعات وهو المخرج المتاح الآن لحل القضية الفلسطينية وفلسطينيي الشتات ويضيف زكريا: لقد أبلغني سليمان زهده في العمل السياسي، و أنه كان سيعيش لأولاده وأحفاده ولعمل الخير، ولكنه رشح نفسه، لكي يستبعد من لجنة الإنتخابات مع خيرت الشاطر وحازم أبو إسماعيل لخطورة استبعادهم وحدهم، وختم زكريا بالقول: فتح سليمان قلبه وكواني بالكثير من الأسرار المؤلمة، وقال لقد أصبت بمرض خطير غير معلوم، أنهك قواي وأفقدني وزني ويسبب لي آلاماً خطيرة، وسوف أسافر إلى ألمانيا، ولا أتوقع أنهم سيجدون حلاً... المهم أنه سافر إلى ألمانيا ثم أتصل بي وقال: مرضي لا علاج له وسوف أسافر إلى الأمارات ثم أتوجه سراً إلى أمريكا بترتيب من قائد عربي، فتمنيت له الشفاء.. وسافر ثم عاد الجنرال جثة هامدة. (نواصل)