سئل العقيد محمد الأمين خليفة في عام 1989م عن أسباب إحالة من تمت إحالتهم للصالح العام الذي جاء كإعصار كاترينا.. جاءت إجابته متسرعة دون سند موضوعي، وهو وأخوته في قمة النشوة بتمام السيطرة على مقاليد الحكم والتمكين قائلاً إن بعضهم أُبعد إما بسبب عدم كفاءتهم المهنية، أو لأن قطار الفضيلة قد فات البعض الآخر.. و ظل الناس لاربعة وعشرين عاماً حسوماً يتنظرون قطار الفضيلة الذي لن يجيء في محطة مهجورة.. حاول وأخوته في البدء إيهام عباد الله بولايتهم ومقدرتهم على حراسة الفضيلة فكان أول ضحاياهم وأول كبش فداء، والمسكين أباح لنفسه شراء أثاث جديد لمنزله بمال عام.. وقبل أن يفيق عباد الله في السودان من هول المصيبة التي أصابتهم بليل، قام حراس الفضيلة بأكبر عملية «نشل فكري» في التأريخ المعاصر.. «نشل» بضم- النون- الأنصار في وضح النهار، وهم غافلون رغماً عن إمامهم لم يكثر من شيء في دعواته أكثر من التعوذ من الغفلة.. أوردها في أكثر من موضع في راتبه الذي يرددونه صبحاً وعصراً وفي مأتمهم.. (ما أنا إلا عبد مأمور لإحياء الكتاب والسنة المغمورين حتى يستقيما).. مشروع حضاري رائد انطلق قبل أكثر من مائة عام بذل في تحقيقه الغالي والنفيس من الأرواح.. رحل قائده فنخر الفساد فيه ولم يتجاوز عمر الدولة الوليدة الأربعة وعشرين عاماً.. و ما أشبه الليلة بليالي القرن الماضي.. تم «النشل» و لم يحرك «المنشول» ساكناً أو حتى يقيد بلاغاً ضد مجهول.. لا ضير.. «فنشالون» شرفاء يسعون لهدف نبيل خير من لئام اللصوص.. استبشرنا خيراً.. فلحراس الفضيلة الجدد سجل باهر في تطبيق حدود الله.. ففي ظل إمام لم يكمل «سنة أولى خلوة» قطعوا ما قطعوا من أيدي الضعفاء من الأمام ومن خلاف وقتلوا شيخاً تجاوز السبعين وابتدعوا حداً وهم عالمون بما في البدعة من ضلالة.. لم يمضِ عام على استرخائهم في مواقعهم الرسالية الوثيرة الجديدة، حتى أزهقوا روحين حرم الله دمهما إلا بالحق واحدة مسلمة.. والثانية من أهل الكتاب.. وتفرق دمهما بين الحراس.. والمصائب لا تأتي فرادا.. امتدت أيادي بعض من الحراس الشرفاء الى أموال دفعها بعض من ضعفائنا ليشقوا طريقاً بديلاً لقطار محمد المكي ابراهيم، الذي كان ينقلهم للخرطوم عاصمة السودان، صياماً عن السكر الذي يتجرعون بدلاً عنه العلقم اليوم في المعسكرات وقرى دارفورالنائية الآن- نقول الشرفاء لأنهم في زمننا الأغبر هذا لا تطالهم حدود الله- نكتفي بشكواهم الى الله.. ولِم لا .. فحكمتنا الشعبية تقول «الشكية لغير الله مذلة».. عرفوا السارق والمسروق ووضعوا أيديهم على البرهان، وعفوا عما سلف سترة و تسترا.. تسع من السنين مرت وصعد أول الشهود الى المنصة، مؤكداً أن بضعاً من الحراس فاسدون .. وتكرم علينا بتوضيح ما كان يمكن أن يغيب عنا رغم عجمة بعضنا، أن البضع اقل من البعض، وهو ما بين 4 الى 5% .. قلنا لا تظلموا الحرس لأنهم دون جهد من أحد لأنفسهم يظلمون.. فالشهادة مجروحة.. و رغماً عن أن الشاهد من أهلهم استبعدنا شهادته التي ربما تكون من باب الكيد، بعد أن انفض بعض من الحيران من حوله ولأن صدقه كان دائماً على المحك..أهلنا البسطاء لم يدرسوا علوم الأحياء الدقيقة، لكن التجربة علمتهم أن البصلة الفاسدة تفسد ما حولها .. ويعلم المستنيرون منهم أن البكتريا تنمو و تتكاثر بسرعة مذهلة، و تدمر الخلايا الحية التي تقع بين براثنها وتفسدها.. و بإعمال علوم الإحصاء الحديث و اعتماد العام الميلادي 1998 سنة أساس يمكن تقدير معدلات النمو .. بدون الدخول في مزيد من التفاصيل لا بد أن البضع صار بعضا .. وليت فراج و عبدالله كانوا بيننا .. افتراضنا متين الأساس لأن ما جاء بعد ذلك كان أفظع .. و ما هو بخاف على احد .. وصعد شاهد اخر اصطلحنا منذ القدم على تسميته المراجع العام الى المنصة .. مهنيون شرفاء تعاقبوا في تحمل مسئولية تنؤ من ثقلها الجبال .. لا تهم عقائدهم السياسية بل شهاداتهم التي ظلوا يقدمونها كل حول و لثلاث و عشرين عاما خلت لنواب الشعب مؤدين بذلك واجبهم على أفضل وجه و هم عالمون بالسيوف المرفوعة فوق رؤوسهم .. يشيرون الى مواطن التعدي على مال المسملين، و يحددون من اعتدى.. و كم سرق، و ما أعيد من المسروقات.. وتبقى بقية الحكاية طي الكتمان.. رغماً عن الأهوال والملاحقة ظلت أقلام الكثير من الصحفيين مشرعة تشير الى مواطن الفساد ما أكثر ما كشفوه من مستور.... ولأننا نتفاءل بالخير دائماً لنجده- كما وصى رسولنا الكريم استبشر الناس خيراً بقيام مفوضية مكافحة الفساد .. لم تكمن بشارة الخير في قيام المفوضية بل ما أثبته قيامها من مكابرة ونكران لوجوده.. قامت المفوضية ثم رحل المفوض والى يومنا هذا لم نسمع جعجعة و لم نر طحناً.. واستمرت المكابرة واستمر النكران الذي صُحب بشروط أصعب من «لحس الأكواع».. من يدعي يبرز دليله، وكان الظن أن مجرد الإشارة الى مواطنه كافية- على أسوأ الفروض- في اطلاق التحقيقات لدرء الشبهات عن الحرس.. من أين للناس بالأدلة والبراهين؟ ألا يكفي أول الخيط؟ صحفي شقي وجرىء يقصد أمين بيت مال المسلمين متسائلاً حتى لا يصيب مسلماً بجهالة ليتحقق من صحة أو عدم صحة عقد أبرم مع مصرفي سابق لإدارة بورصة الأوراق المالية.. كادت شقاوته أن تدفع به في غياهب مساءلة لا تجدي معها حصانة قانون الصحافة و المطبوعات.. تساؤل الصحفي لم يغضب أمين بيت المال، بل أغضبته كيفية حصول هذا الصحفي الشقي على مستند رسمي.. انتشر الخبر ونشرت تفاصيل العقد، ولم يُصب الناس بالدهشة والذهول، لأن لا شيء عاد يدهشهم .. ثم برز شاهد عدل لا نجد في صحائفه ما يشير الى غير ذلك... نسبت صحيفة آخر لحظة للنائب الأول في مؤتمر ال 100 دقيقة الصحفي، أنه (دعا المواطنون للمساهمة في حملات مكافحة الفساد بالإشارة إليه أو توفير المستندات التي تؤكد حدوثه، مؤكداً ألاّ كبير على القانون، وأنه لا وصاية للمفسدين مهما بلغت مكانتهم).. اعتراف دامغ.. وجود حملات لمكافحة الفساد يؤكد أن حراس الفضيلة قد فاتهم قطارهم «الفضيلة».. وجاء بصحيفة آخر لحظة في عددها الصادر في 30 مارس خبراً غريباً.. (أكد المجلس الأعلى للاستثمار أنه سيكافح كل أشكال الفساد والرشاوي التي يطلبها الموظفون من المستثمرين.. مبيناً أن خطوة إنشاء النيابات والمحاكم المتخصصة بالسودان التي أقرها القانون من شأنها الفصل العاجل في اجراءات تستغرقها القضايا المدنية) !!ها نحن قاعدون لنرى ما هم فاعلون بموظفيهم المرتشين).. مرت اربع وعشرون سنة وأطل علينا د. محمد الامين خليفة مرة أخرى مصرحاً لهيئة تحرير صحيفة الاهرام اليوم، أنه بعد خمس سنوات من حصوله على درجة الدكتوراة لم يتمكن من ممارسة التدريس، رغماً عن أنه تقدم للالتحاق بأكثر من خمس جامعات.. ولا يعلم ما المانع.. والجامعات في أمس الحاجة لأساتذة .. هل يا ترى لأن كفاءته المهنية لا تكفي لأن يصبح استاذاً جامعياً أم أن قطار الفضيلة قد فاته هو الآخر؟ وهل يا ترى مازال العقيد معاش د./ محمد الأمين خليفة- والجامعات ترفض تعيينه- يذكر تصريحاته المترعة بنشوة التمكين وقطع أرزاق المستضعفين الذين هب لإنقاذهم؟