يعتبر اليوم الاول من شهر رجب من كل عام هو أهم أيام مدينة سنكات التى ترقد هادئة طوال العام بين احضان مرتفعات البحر الأحمر، فذلك اليوم يصادف الذكرى السنوية لحولية الشريفة مريم الميرغنية تلك الشخصية التاريخية التى لعبت دوراً إجتماعياً مهماً فى تاريخ شرق السودان، وكانت علماً مميزاً من أعلام السادة المراغنة، ومدينة سنكات التى يوجد بها ضريح الشريفة مريم المرغنية تتحول إلى ساحة للقاء كبير يضم آلآف الحاضرين من مختلف بقاع السودان من خلال إحتفائهم بذكراها السنوية ، يتحاورون ويتفاكرون ويتسامرون. أم البركات الشريفة مريم الميرغنية أو أم البركات كما يسمونها هي ابنة السيد محمد هاشم بن السيد محمد عثمان الميرغني الختم مؤسس الطريقة الختمية ووالدتها هي فاطمة أحمد عاولي ، قرأت القرآن وعلوم الفقه في زاوية جدها السيد محمد عثمان الميرغني الختم ، التي أنشأها خصيصا لتعليم النساء أمور دينهن ، واقترنت بابن عمها السيد محمد عثمان تاج السر الميرغني الذي ولد في العام 1266 ه ودفن بجوار مسجده الذي بناه في مدينة سواكن، ومنذ وفاة زوجها نهضت الشريفة مريم بأعباء الدعوة إلى الله وإرشاد المريدين في مناطق البحر الاحمر بشرق السودان وكانت مهمومة إلى حد كبير بتعليم النساء، قامت الشريفة مريم خلال حياتها بالعديد من الأعمال الخيرية التى يذكرها لها الناس وكانت مثالاً فى الورع والتقوى والزهد إلى أن توفيت فى الأول من شهر رجب للعام الهجرى 1371 الموافق للعام 1952م وكانت وفاتها فى مدينة بورتسودان بعد معاناة مع المرض إلا أن مريديها وأهلها نقلوا جثمانها إلى سنكات ليتم دفنها هناك على حسب وصيتها، ومنذ ذلك التاريخ ظلت حولية الشريفة مريم الميرغنية حدثاً لايمكن لمدينة سنكات أن تتجاوزه، على الرغم من أن حكومة الإنقاذ منعت فى سنواتها الأول قيام الحولية وحدت من جميع مظاهر الإحتفال المتعلقة بها إلا انها عادت وسمحت بها بل وشارك فى ذلك العام المشهود النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ على عثمان محمد طه وبحضور السيد محمد عثمان الميرغنى عقب عودته للسودان بعد طول غياب. يقول الخليفة صلاح عبادى وهو أحد خلفاء الطريقة الختمية بشرق السودان، إن حولية الشريفة مريم الميرغنية تعتبر ذكرى طيبة ومؤتمراً سنوياً راتباً يجمع شمل جميع أحباب ومريدى الطريقة الختمية، كما تمثل فرصة طيبة للقاء يجمع عدد كبير من الخلفاء بالسادة المراغنة، ويضيف حتى خلال الفترة التى منعت فيها الحكومة قيام الحولية كان الناس يحيونها فى المساجد وفى مناطق مختلفة فى ذات التاريخ، وذلك أنما يدل على حب الناس لذكر مآثر الشريفة مريم والدعوة لها بالرحمة والمغفرة، ويقول عبادى فى حديثه ل (آخر لحظة) فى الماضى كانت مظاهر الإحتفال بالحولية تبدأ منذ وقت مبكر حيث تستعد النسوة بإعداد الكسرة خلال الأيام التى تلى المولد وفى ليلة الأول من شهر رجب تكتمل مظاهر الإحتفال. إمراة غير عادية تبدأ مظاهر الإحتفال بالحولية بعد ظهر اليوم الأول من شهر رجب وحتى منتصف الليل، حيث يقوم الحاضرون بتلاوة القرآن، والمديح والدعوات بالترحم على روح الشريفة مريم، كما يشتمل على لقاء كبير يضم السادة المراغنة بخلفاء الطريقة الختمية للتشاور والتفاكر وتقديم النصح والإرشاد. وخلال أيام الإحتفال تشهد مدينة سنكات أكتظاظاً بالسكان حيث يأتى المحتفلون من ولايات الشمالية وكسلا والقضارف بالإضافة إلى الوفود الضخمة التى تاتي من مختلف مناطق ولاية البحر الأحمر. يقول الباحث فى التراث البجاوى الأستاذ جعفر بامكار الشريفة مريم الميرغنية لم تكن إمرأة عادية فقد كانت زعيمة للختمية وكانت شخصية سياسية وإمرأة فاضلة لها دور إجتماعى فاعل فى شرق السودان، وفى إحدى المراحل تولت الإشراف على الطريقة الختمية بأتباعها فى المنتشرين فى العديد من البلدان، ويضيف بامكار فى حديثه ل (آخر لحظة) كانت للشريفة مريم علاقة بالحكومة البريطانية التى كانت تستعين بها لحل بعض الإشكاليات الإجتماعية التى تواجهها، كما كانت لها علاقة بالحكومة المصرية التى أشرفت بصورة مباشرة على علاجها خلال أيامها الأخيرة. ويواصل بامكار حديثه قائلاً إن الذكرى السنوية لوفاة الشريفة مريم صارت حدثاً له مدلوله الإجتماعى من حيث إستغلاله كسانحة للقاء بين مختلف أتباع الطريقة الختمية وأيضاً إحياء الطقوس المرتبطه بالطريقة، كما أصبح يشبه إلى حد ما مهرجانات الإحتفاء بالشخصيات العظمى التى يحييها الاوربيون.