وضعت زيارة السيد جعفر الصادق الميرغني الأولى إلى شرقنا الحبيب بعد تقلده مهام منصبه مساعداً لرئيس الجمهورية في صحبة صنوه الكريم السيد عبدالله المحجوب الميرغني، المشهد السياسي على حقيقة أن الشرق ما زال على العهد انتماء خالصاً للطريقة الختمية، فقلَّما تجد شخصاً إلا ضاربٌ فيه بسهم أو متصل بهم بسبب، حتَّى من تفرقت بهم السبل وساقتهم الأقدار إلى أودية أخرى، إما أبناء ختمية أو ترعرعوا في كنف السادة المراغنة في شرخ صباهم الباكر لذلك تتفق البدايات مهما اختلفت النهايات. وفي المتخيل قول الشاعر: وإنهُ مِنكِ لكن عاقَ منطقهُ حبَّ الغريب فعيَّ الشعرُ والوترُ فسامحيه فقد تأتي الحياة به إليك ثانيةً يحبُو ويعتذرُ والأم حانية تهمي مشاعرُها وفي القلائدِ ما يعيا به الصدرُ فالحشود التي تكاد تسدُّ قرص الشمس في استقبالها لموكب السادة المراغنة والوفد المرافق له عند مدخل سنكات في منطقة صمد التي تعدُّ أعلى منطقة منبسطة على البحر الأحمر ازدانت بأعلام الختمية المميزة على مدِّ البصر، وحشود جماهير الشرق وهتافاتها على اختلاف مشاربهم حتى بالألسن المحلية المحببة إلى النفس..آتنينا أبوهاشم «مرحباً بأبو هاشم»، وهاشا هاشوك «البلد بلدك»، وعلى الرغم من عاديات الزمان وتبدل الأحوال جاءوا تأكيداً للمجد المؤثل الذي يستنطق التاريخ التليد للطريقة الختمية ومؤسسها الإمام الختم الذي وحَّد قبائل الشرق تحت رايات الطريقة الختمية ونهجها المعتدل في نشر الإسلام في السودان وما جاورها من أقطار. وتكاد المناسبة التي كانت مقصداً رئيساً للزيارة أن تكون أشبه بموسم الحج حين تضرب إليها أكباد الإبل وبجميع وسائل النقل التقليدية والحديثة على اختلاف أنواعها ليأتون إلى مقام الشريفة مريم من كل فجٍ عميق يلتمسون بركاتها. ويشهدون منافع لهم من خلال انتعاش الحركة التجارية في المنطقة التي تمتد منافعها حتى إلى المحليات التي تتحصل على رسوم الحركة التجارية المصاحبة للحولية رغم شظف حياة المواطنين. وهي بمثابة عيدٌ من أعياد المنطقة التي ينتظرها أهل الشرق قاطبة في الأسبوع الأول من كل رجب. فالاحتفال السنوي بالمناسبة ابتدرته الشريفة مريم بحياتها تخليداً لذكرى والدها السيد هاشم بن الإمام الختم في جبيت، وهناك قصة يرويها الشيخ أحمد حامد السواري في كتابه»أم العارفين..الشريفة مريم الميرغنية»، عن صاحب الذكرى السيد هاشم «أنَّ أحد الرهبان كان كثيراً ما يفكر في الإسلام وذات يوم رأى ذلك الراهب في منامه نهرين أحدهما فيه ماء عذب والآخر حيَّات وعقارب، فأراد أن يشرب من نهر الماء العذب فمنعه حراس الماء وقالوا له لن يتمُّ ذلك إلا إذا كنت من الأمة المحمدية. وهنا رأى السيد محمد هاشم في منامه وقد أخذ بيده وسقاه من النهر فأصبح قلبه مطمئناً بالإسلام وظل يبحث عن السيد حتى وصل إلى مصوع، وأول ما وقع بصره على السيد هاشم قال:هذا مطلوبي، وهذا شيخي ومرشدي. وأعلن إسلامه. ويُقال أن السيد هاشم أخبر تلاميذه قبل 3 أيام بقدوم هذا الراهب وأمرهم أن يعدوا له مجلساً، وقد أسلم وحَسُنَ إسلامه وهاجر إلى مكةالمكرمة». وبعد انتقال الشريفة مريم -رضي الله عنها- إلى الرفيق الأعلى، رأى وارث مقامها السيد محمد سرالختم الميرغني أن تقترن الحولية السنوية للسيد هاشم بذكرى ابنته الشريفة مريم الميرغنية في سنكات جوار مقامها المبارك. وقد أخذ السيد محمد سرالختم على عاتقه مواصلة رسالة الشريفة مريم في الإشراف على شؤون الطريقة الختمية بمناطق الشرق في سنكات وسواكن وبورتسودان،إضافة إلى الخلاوي التي شيدتها الشريفة بحياتها وشهدت عمليات تحديث وتوسعة في عهد خلفها السيد محمد سرالختم، وهناك مسعىً جاد لإنشاء معهد ديني يحمل اسم الشريفة مريم لدورها الريادي في مجال التعليم كما نوه بذلك بابكر بدري في مذكراته. و يلتمس المراقب عن قرب مدى ما يتمتع به السَّادة من حبٍ جارف لدى قواعد الطريقة الختمية من خلال الحولية السنوية للسيد محمد هاشم الميرغني وابنته السيدة مريم الميرغنية، وماظل يبذله السيد محمد سرالختم من جهدٍ ومشقة في إخراج المناسبة بالصورة التي تليق بالشريفة ووالدها- رضي الله عنهما. فالسادة المراغنة دوماً ما يكنون المودة لمريديهم ويبادلون قواعدهم الحبَّ والاحترام. ويتأكد هذا الفعل عند الاقتراب من عالم السَّادة المراغنة لتلتمس تواصلاً حميماً يرفدك بعوالم أخرى كلما حظيت بالوجود في حضرتهم لترى الأخلاق النبوية في أحوالهم ومعاشهم بصورة تشي بكل معاني الاقتداء والسيرة العطرة لجدهم المصطفى عليه أفضل السلام وأتمِّ التسليم. [email protected]