والشعب السوداني المبدع الخلاق.. ظل يتحف العالم بالبدائع والروائع.. ويهب الوطن الحِكم والأمثال.. وألواناً من الدهشة.. والبهجة.. وباهي وأنيق الصور.. ومن عصير وعصارة و«عصر» التجارب تنبع من أرضة الكلمات الخالدات وهي تصور في وضع وإبانة قصة.. أو موعظة.. أو طرفة.. وما زلت أذكر في حبور ذاك المثل القائل عن الذي «تعلم الحِلاقة في رؤوس اليتامى» وها هي الإنقاذ تتحفنا بمثل نراه ونشاهده عياناً بياناً.. ويشمخ أمام عيوننا.. والمثل صناعة سودانية خالصة.. فالمثل هو «وزراء الإنقاذ يتعلمون الحكم على رؤوس الغلابى».. صحيح أن الأحبة الإسلاميين قد حملوا أشواقاً هائلة لحكم هذا الوطن، وفاضت أمانيهم بتحكيم شرع الله حتى جرت جداول وأنهر.. ولمثل حكم السودان كانوا يعملون.. ثم مكنهم الله من السلطة ذات صباح.. وقبل أربعة وعشرين سنة لا تنقص إلا أيام معدودة.. ثم قالت لهم السلطة والوزارة هيت لك.. فانتقلوا وزراء وولاة ومعتمدين ودستوريين وبرلمانيين.. بلا إعداد ولا تدريب.. وكم من وزير جاء إلى كرسي الوزارة مباشرة من قاعات الجامعات التي كان فيها أستاذاً لا يخاطب غير مدرج يؤمه طلاب يمكن الاستماع إلى محاضرته حتى من غير «ميكرفون»، وكم من وزير استدعاه الإخوان من دول الاغتراب لينفض الوظيفة ويترك «الدوام» ويحزم حقائبه مغادراً المهاجر ودولة الإغتراب والعودة مسرعاً إلى السودان، لأن سيادته سوف يؤدي القسم يوم وصوله وزيراً مركزياً أو ولائياً لا فرق مطلقاً.. نعم هناك وزراء تحتشد صدورهم بالمعرفة.. والعلم في مختلف التخصصات، وهناك وزراء هم في الأصل علماء في كل ضرب من ضروب وأنشطة الوطن إقتصاداً واجتماعاً وزراعة وصناعة.. وحتى تعدين وبترول.. إنهم يبرعون في ذلك.. ولكن يفشلون في ملء كرسي الوزارة التي تحتاج إلى «كاريزما» خاصة ومهارة تناسب المرء عندما يكون وزيراً.. واليوم نحن بصدد تلك النيران الصديقة التي يطلقها الأحبة الوزراء والدستوريون، وكل الذين يديرون الشأن في دولة الإنقاذ النيران الهائلة المصوبة تماماً للحكومة.. والنيران أحبتي هي تلك «التصريحات» «المشاترة» بل والمضحكة.. وأخرى مثيرة للشفقة والرثاء، وكثير منها تجلب الحزن والنكد والخوف على هذا الوطن النبيل.. بالمناسبة هناك تصريحات أشد خطراً على الإنقاذ من المعارضة مجتمعة.. وهناك تصريحات أكثر خطراً من الطابور الخامس ومن «حلف الناتو ذاتو».. والغريب في الأمر أن هؤلاء الأحبة من الوزراء يدلون بل يتطوعون بسيل من التصريحات حتى لو لم يطلب منهم أحد أو «يشحدهم» أحد «تصريح صدقة لوجه الله».. صرح مرة الأستاذ سبدرات.. لإحدى الصحف بحديث أثار- وقتها- عاصفة من الدهشة.. ولا أقول السخرية والرثاء.. الحقيقة كان التصريح عبارة عن إجابة لسؤال أحد الصحفيين وتحديداً عن ازدياد حالات الاختلاس والولوغ في المال العام.. أجاب مولانا سبدرات- وكان حينها يشغل وزير العدل في طول البلاد وعرضها- أجاب قائلاً.. إنه يعزو هذه الحالة- حالة الاختلاس والولوغ في المال العام-لضعف الوازع الديني عند المختلسين.. وأذكر جيداً إني وبعد أن استفزني ذاك التصريح قد خاطبت مولانا سبدرات وعبر الصحف.. إنك وزير للعدل.. تحت يديك أتيام التحري والاتهام والمحاكم والقضاة والشرطة.. والحراسات والسجون.. إنك المسؤول الأول وعبر أجهزة العدالة عن استرداد أي مليم أو على الأقل ملاحقة من اختلس أي مليم.. فأنت يا مولانا لست إمام جامع، ولا خطيب جمعة، ولا مصلح اجتماعي.. تذكرت كل ذلك والسيد وزير المالية يتحفنا أمس الأول بتصريح جديد لنج وهو يطلب من النواب صلاة الاستسقاء.. بكرة نتقابل