الواقعة السريالية لخروج الأستاذ عبدالباسط سبدرات من جميع المواقع الدستورية على النطاق الوزاري والاستشاري بعد أن كان من دهاقنة النخبة الموجودة على كرسي السلطة يتنقل من موقع إلى آخر في ال20 عاماً الماضية ما زالت أبعادها تتراقص فوق صفحة التأويلات والاستنتاجات وأحكام الجدل. دلالات القرار مازالت غائمة على عضد المشاهد القاطعة فلا أحد يعرف إذا كان ذهاب سبدرات إلى الظل يعتبر مسألة طبيعية من وحي مقتضيات تكاليف العمل العام أم أن الخطوة إرتكزت على حسابات سياسية دقيقة. الأستاذ عبدالباسط سبدرات كان يتدفق حيوية وتألقاً في صولجان الحكم وقد ترك أيام الحزب الشيوعي تتراءي أمامه كطيف شاحب على الأطلال وصار إنقاذياً لا يشق له غبار يتقلب في المحطات من التربية والتعليم والثقافة والإعلام والعدل والحكم الاتحادي والاستشارية ما بين القصر والبرلمان. كان سبدرات واحداً من المجموعة المشاركة في بطارية الحكم وكانت له بصمات ثابتة في العديد من المستويات لكنه لم يكن من دهاقنة الإيدلوجية السلفية في التنظيم وهو القائل ( انا ضد شعار «فلترق كل الدماء»). إنجذب الأستاذ سبدرات نحو الإسلام السياسي من خلال قراءة كتاب (الظلال) للشهيد سيد قطب وقد لعب الشهيد حاج نور دوراً كبيراً في دفعه إلى إتجاهات الحركة الإسلامية ولم يستطع سبدرات المعطون بمناخات الفلسفة والشعر وأدبيات اليسار، إبتلاع الطقوس الدوغمائية وملامسة مناطق التعصب الشديد التي تظهر على السطح من بعض الإنغلاقيين في المؤتمر الوطني. في خضم التكهنات حول ملابسات قرار الاستغناء عن سبدرات هنالك معلومات تلوح في المسرح السياسي مفادها أن وزير العدل سبدرات أطلق إشارات كثيفة حول إمكانية محاكمة مولانا أحمد هارون في الداخل بعد التحقيق معه للمرة الثانية، علاوة على ذلك يقال بأن سبدرات وقف متحيزاً لصديقه الوالي السابق ابوكلابيش في معركته قبل الانتخابات الأخيرة مع وزير الشباب حاج ماجد سوار. فضلاً عن ذلك فإن بعض الأحاديث قد تناولت إتجاه سبدرات يومذاك لمحاكمة أحد المسؤولين بتهمة إفشاء تقرير قضائي عن بعض المشروعات الاستثمارية. للوهلة الأولى يتضح من خلال تلك المعطيات بأن سبدرات يحاول استخدام ماكينة السلطة على بساط القناعات العدلية مصحوبة بالرؤية السياسية المطاطة التي ترتكز على تجنيب الوطن ويلات ملاحقة المحكمة الجنائية في السياق الظرفي. وقد لا تكون القناعات العدلية البحتة منسجمة مع أصحاب مفاهيم النظرة الجهادية بالشكل المتطابق لاختلاف الخطوط والمدارس. من جهته قد يرى مولانا أحمد هارون .. أنه قدم التضحيات في مناطق الجنوب ودارفور بينما يقيس الأستاذ سبدرات الأمور من الزواية الأخرى! وفي السياق يؤكد البعض بأن سبدرات قد صار في الفترة الأخيرة يثير قلق نفر قليل من المؤتمر الوطني خصوصاً في ظل التطورات الماثلة على صعيد الوطن وقد يتخذ أحياناً بعض القرارات التي قد لا تستهوي فئة معينة لكنه ظل على الدوام ملتزماً بمنهج الإستراتيجية العامة للمؤتمر الوطني لا يتجاوز حدود المرجعيات وتربطه علاقة راسخة بالطاقم الأعلى الحاكم. إنه مشهد ينضح بالمضامين المذهلة وعلامات الدراسة والتدقيق أن يترجل عن قطار الإنقاذ شخصية متنوعة المواهب والمواقف والمشارب مثل الأستاذ عبدالباسط سبدرات، فهو الشيوعي المايوي الإنقاذي والشاعر والأديب والمحامي ليذهب إلى عالم الظل والميادين الضيقة بعد سنوات طويلة قضاها على مقعد الصولجان. لقد صوب الترابي بعد المفاصلة تعليقاً مشهوراً حيال سبدرات قائلاً بأن هذا الشخص أتينا به ممثلاً فأصبح مخرجاً! فاجأب سبدرات بذكاء بأن الممثلين درجات ويمكن للممثل أن يتطور ليصبح مخرجاً. لقد دخل سبدرات الحزب الشيوعي (رجالةً) مدفوعاً بحماس الشباب كما قال عن نفسه وانتقل إلى دهاليز الحركة الإسلامية التي أفسحت له مجالاً لم تفسحه للآخرين بشهادته!! والآن هل يصير بقاء سبدرات خارج التوليفة الحاكمة مرحلة ثابتة أم أن بطارية السلطة ربما تدفعه خلال الفترة القادمة إلى موقع آخر؟! البعض يرجح بأن سبدرات قد يذهب إلى مهنته.. سلك المحاماة، محفوفاً بالأشواق ليجسد على الواقع اروع قصائده (رجعنالك) التي تتغنى بها البلابل.