قرى شمال كردفان قبل سنتين كانت تعاني معاناة شديدة من كيفية الحصول على الماء للإنسان والحيوان، والماء متوفر في بطن الأرض والآبار السطحية، ولكن من يخرج الماء وينزعه من البئر التي تكون عمقها عشرات الأمتار؟! تعب الرجال والنساء والأطفال والحمير والجمال من جر الدلو، إذ يمكث الوارد للبئر الساعات الطوال من الغدو إلى الرواح ومن مغيب الشمس حتى انبلاج الصبح، ويقول شاعرهم مخاطباً جملة:- العِد البصيح نشالو لي السرحان نسقيك فيهو ولا نعدي بيك عطشان على المتبورة أم قرقدن نديان مرة يريح ومرة يهوى لي الطيران النشال الشخص الذي يخرج الدلو من البئر، والبصيّح هو الذي يترنم بالدوبيت ودائماً يكون بين اثنين مثلاً: أحدهم يقول ذنبي على الرقعا وحتا (الذي رقع الدلو وأصلحه) الآخر يقول ذنبي على الفتل الرشاء (وهو حبل الدلو) - هكذا يصيحون، وهم إنما يتسلون ويعزون أنفسهم ويتخففون من وطأة العنت والمعاناة الثقيلة، وكانت متاعب الحصول على الماء تسترق الناس حتى قال أحدهم كنا عبيداً للرشاء، و تستتنزف طاقات الأسرة.. وظلت قرى كردفان صابرة على كل ذلك!! وحين اشتد بهم العطش سعوا سعيهم فقطعوا مشوار السبعة أشواط فانفجرت لهم عين زمزم من مشروع طي الرشاء، فإذا استقبل شاعر البطانة الخريف المتكرر كل عام بهذه الأبيات التي سارت بذكرها الركبان. الخبر الأكيد قالوا البطانة إترشت ساريةً تبقبق لي الصبح ما انفشت هاج فحل أم صريصر والمنايح بشت وبت أم ساق على حدب الفريق إتعشت فكيف استقبلت قرى كردفان هذا الخبر العميم؟ هذا الماء المتفجر المتدفق الذي بفضل الله وعونه صنعته هذه الأيادي الأمينة القوية المتمثلة في رجل المهام الصعبة المهندس خالد معروف وزير التخطيط العمراني والمياه والطاقة وأركان حربه الأوفياء ورجال منظمة السقيا الخيرية سقاهم الله من حوض الكوثر. استقبلت قرى كردفان هذا المشروع الحيوي الجبار الباهر بالفرح الطاغي وبالتهليل والتكبير وبالثناء العطر والدعاء لأهل الانجاز والعطاء.. للأستاذ علي عثمان النائب الأول لرئيس الجمهورية وللأستاذ معتصم زاكي الدين والي الولاية. أما الفوائد التي نالها المواطنون فهي كثيرة ومتعددة ومتنوعة، وأهما الراحة النفسية والجسدية التي صار ينعم بها المواطنون، حيث كانت الاحتكاكات حول موارد المياه تتسبب في مشاكل كثيرة بين الأفراد نساءً ورجالاً.. وانصح الناشطات في حقوق المرأة أن يتأملن في هذا الإنجاز الخطير وهذا الفتح الجديد، لأن أشد أنواع العنف على المرأة بأن تجر الدلو، وهي في العِد البصيّح نشالو، ويتأملن في الأثر الطيّب الذي خلفته هذه الهبة الغالية على وجه المرأة ومسكنها وهندامها! أما الثروة الحيوانية فقد ازدادت كماً وكيفاً وانتشرت المباني بالمواد الثابتة بصورة لافتة للنظر، مما قلل كثيراً من القطع الجائر للأشجار، وهذا يشكل دعماً كبيراً لمساعي الحفاظ على البيئة ومكافحة التصحر. وبمناسبة ازدياد الثروة الحيوانية تلاحظ إن الإعلام السائد - المقروء والمسموع والمرئي - يركز فقط على الضأن الحمري والكباشي مع أن منطقة أم دم وبارا وغرب بارا بها أعداد لا يستهان بها من الأبل والضأن من النوعية الممتازة جداً. وبما أن الشيء بالشيء يذكر ودائماً الحديث ذو شجون، وبما أني تحدثت عن الثروة الحيوانية وبما أن مشروع طي الرشاء أحدث حزمة وطفرة ووثبة تنموية كبيرة وتحديداً في أم دم ومحلية بارا الكبرى، فلو أفاء المركز على المنطقة بتنفيذ طريق بارا - جبرة - أم درمان لأصبح أمر هذه المنطقة عجباً، ولتقدمت على كل المناطق التي حظيت بتعبيد الطرق في السودان، ولا يذكر أسم بارا إلا وذكر معه هذا الطريق المستحيل وما اجتمع اثنان من أبناء كردفان إلا والطريق ثالثهما. بشير حامد أبشر - معلم بالمعاش مواطن بقرية رتبت/ إدارية أم قرفة/ محلية بارا