في عجالة سابقة وقفنا على الحفلة التي أقامتها حكومة فرنسا اليسارية لتوزيع أول عقد زواج قانوني لرجلين قررا الزواج من بعضهما البعض! بدأنا (بالزوجين) وقرأنا حالهما أثناء تلاوة الحقوق القانونية. الحضور لم يكن كبيرًا اذا إستثنينا الاعلاميين. يبدو أن الحاضرين أغلبهم من أنصار هذه الزيجة. الملاحظ أن عددا كبيرًا من النساء كن حضورًا ويبدو على ملامحهن جمال جنوب أوربا، ذوات بشرة مخلوطة وشعرفاحم نادر المثال في بلاد البياض الثلجي. ويا للغرابة أن يتحول هذا الجمال الطبيعي المميز إلى موضوع حب لامرأة(مثلها)لا تملك سوى ممارسة السحاق، والأغرب أن يترك الرجال هذا الوعاء الطبيعي الممهد إلى أسوأ سبل الإفراغ الجنسي والأشد غرابةً أن فرنسا التي حرمت طالبة مسلمة من حرية إرتداء زي إسلامي تفتح المجال واسعاً للحرية الشخصية لدرجة الإعتراف بالشواذ جنسياً!! وقد ذهبت من قبل بعيدًا في محاربة الحركات الإسلامية في مالي بإسم الحرية لصالح أنظمة إستبدادية أسوء حالاً من السلفية الإسلامية المتطرفة في مجال الإعتراف بالحرية. هذه هي الشيخوخة الحضارية وهنا مكمن العفن في الفاكهة الاوربية. مجتمع فقد القدرة على تحديد معنى «الحرية الشخصية». وفي سلة المفارقات أيضاً أن النسوة اللائي حضرن الإحتفال كن شبه عاريات وفي هذا إعتراف بأهمية جسد المرأة كموضوع للإغراء وللإفراغ الطبيعي. الغرابة هنا تنتهي لو رجعنا إلى فهم طبيعة الشذوذ الجنسي، من وصف الأيات القرآنية على لسان أخوان لوط: عندما قال لهم «هؤلاء بناتي هن أطهر لكم» قالوا له :«لقد علمت ما لنا في بناتك من حق». هذا الكلام يعني ببساطة؛ اذا خرج الانسان من(طبيعته) لا يملك العودة إليها. يقابلها: أن خلايا المخ التي تفقد صلاحيتها لا تتجدد وقد ذكرنا ذلك في الحلقة السابقة كيف يتغير التركيب التشريحي للمخ لدى الشواذ جنسياً! المكان الذي اختاروه لإجراء هذا الإحتفال كان جنوبفرنسا والحضارة الاوربية بدأت من الجنوب وامتدت للشمال إذن من الطبيعي أن يبدأ التعفن من حيث بدأ النضج! هذه الملاحظة تقودنا بدورها إلى سلسلة طويلة من الملاحظات ليس من السهل متابعتها؛ لهذا سنكتفي ببعضها: هذا المرض ليس أصيلاً في الإنسان بمعنى أنه لا يملك آلة بيلوجية تتغذى من هذه الممارسة.. أما ما يقال عن الإرتباط التشريحي بين فتحة الشرج وتحريك عملية الإنتصاب في عضو الذكورة ليس كافياً.. إلا في وجود إنحراف نفسي سببه عوامل خارجية من التربية أو البيئة!! حتى هذا التفسير إن صح ستكون هناك استحالة تحديد الحقوق قانونياً.. لن يكون مفهوماً: الفواصل بين (الرجل- والمرأة)!! إذن : إن لم يكن هذا المرض أصيلاً في الانسان فمتى ظهر؟ هذا المرض عمره أربعة آلاف سنة فقط من عمر الإنسانية!! وظهر أولاً في منطقة «الشرق الأوسط» في حوالي القرن الواحد والعشرين قبل الميلاد، وذلك طبقا للآية ..(أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين). ومن غرائب المصادفات أن هذا (الشذوذ) اكتسب مواقفة رسمية من المجتمع الانساني في القرن الواحد والعشرين بعد الميلاد، وهذا الحفل الفرنسي حقبة منفصلة في التاريخ لما لفرنسا من ثقل في الحضارة المعاصرة. وهناك أمر آخرهو أن هذا المرض (النفسي) الذي أصبح الآن سلوكا عاديا بعد أن اعترفوا به، هو من أمراض الشيخوخة بالنسبة للحضارات ومعلوم أن الحضارات تتطور كالانسان في مراحل عمرية مختلفة. ومعلوم أيضا أن الحضارات لا تشيخ إلا في المدن؛ لهذا يصف القرآن قوم لوط بأهل المدينة «جاء أهل المدينة يستبشرون»من أوصاف الآيات تبدي بوضوح أنها كانت مدينة متحضرة في ملتقى طرق وكانت لديهم نوادي يأتون فيها المنكر ). وقد كانت فوق أرض مبروكة هبط فيها سيدنا إبراهيم وأبن أخيه لوط (الأرض التي باركنا فيها للعالمين). ما العمل؟: نحن في العالم الإسلامي أو قل هنا في السودان، من السهل علينا أن نكيل السباب واللعنات على إباحية المجتمع الأوربي ونزايد في الرفض. كل ذلك يمكن أن يحدث رغم أننا كدولة وقعنا في الأممالمتحدة اتفاقية!! قد تفتح باباً لمثل هذه الممارسات في المستقبل القريب. من السهل أن نهرب للماضي أو نصرخ في وجه الحاضر ولكن لن يكون مفيدًا هذا الكلام، ولن يسمعنا أحد لأننا سنلعن مجتمعات أقوى منا في السياسة والاقتصاد والقوة العسكرية وفي حقوق الإنسان!! أما السبب الثاني سنكون مطالبين بتوضيح حجم هذا المرض في مجتمعاتنا.. ومن ينكر وجود هذا المرض سيكون مضحكاً موقفه بل «لا أخلاقياً»!! لن يستطيع أحد منا أن يقنع غيره بأننا أكثر طهرًا من أوربا إلا بضمان قاعدة بيانات وإحصائيات وشفافية في التصدي لهذا المرض. معلوم أننا تعودنا أن نهرب من مواجهة الحقائق خلف أقنعة أخلاقية زائفة.. حكى أحد الشباب المهتم بقضايا الطفال اللقطاء : إنهم عندما قرروا في (المايقوما) أن يواجهوا مشكلة الأطفال(حديثي الولادة) بنشر الحقائق بين تجمعات الشباب في الجامعات، تم منعهم بالقانون بحجة أن هذا (الغسيل) يضر بدولة الإيمان في السودان !! وهذا ما حدث أيضاً في قضايا الأيدز وتوزيع الواقي الذكري في الجامعات، وهناك من أعتبر أن الإعتراف العلني إهانة للفتيات في الجامعات! ما الذي يجب أن نفعله؟: 1/ نعترف بالمشكلة دون أن ننافق قيمنا ثم نحدد حجمها باحصائيات دقيقة. 2/ ندرس الظاهرة لنواجهها بتحديد مكامن الضعف فيها، بل استثمارها لتعميق ارتباطنا بالعقيدة الدينية، لأنها الضامنة في نهاية المطاف. هكذا تعامل القرآن في سرده الطويل المتقطع لقصة قرى قوم لوط. كان يمكن عدم الإشارة إليها أو حتى إخفاء تفاصيلها خوفاً على المجتمع المؤمن الذي كان يخاطبه القرآن. كل هذه المعالجات لا قيمة لها دون أن تكون الحرية الشخصية مفعّلة ودون الإلتفاف عليها بالمبالغة في استدعاء الضوابط غير الضرورية فقط لخدمة سلطة سياسية أو دينية أو حتى تربوية هرمة غير رشيدة والمطلوب أخيرًا ليس أن نقارن أنفسنا بما يحدث في أوربا ، بل من الضروري أن نعالج حالنا على قاعدة بيانات صحيحة تنجينا من الكذب على أنفسنا!