الشائعة أو الإشاعة، من الفعل شاع أي ظهر وتفرق، وأشاع ذكر الشيء بمعنى إظهاره وأظهره، وشاع في الناس أي: اتصل بكل أحد فاستوى علم الناس به، ولم يكن علمه عند بعضهم دون بعض. وفي قوله تعالى في سورة النور /19 : (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة)؛ أي أن الذين يحبون أن تتفشى، ولعل في الآية الكريمة السابقة عقابا ربانيا لنوع من أنواع الإشاعات والشائعات، الأمر الذي يجعل كل ذي لب يفكر مليا في اختلاف الشائعة أو نقلها أو تصديقها. ونحن نتعرض في حياتنا اليومية في مجتمعاتنا العربية ونحن جزء منها للشائعات اليومية، دون مبالغة، دون أن نفكر في عواقبها، فقد يكتوي بها الأفراد حين تمس حياتهم الشخصية، وتكون نتائجها مدمرة لأسر وعائلات بأكملها، وقد تكتوي بها وتدفع ثمنها المجتمعات. فشائعة مغرضة قد تهوي بالبورصة وتضيع المليارات وشائعة أخرى قد توقع بين الأسر والقبائل وشائعة ثالثة قد تؤدي إلى أزمات اقتصادية. وللشائعة ثلاثة أركان رئيسية : من أطلقها، ومن نقلها وأذاعها، ومن صدقها. الأول الحاقد، والثانى أحمق، والثالث جاهل غبي.. أما الأول الحاقد فهو وفق تصنيف علماء النفس له فإنه مريض نفسيا، حيث يعاني من آلام نفسية شديدة تسبب له التعاسة بسبب عدم قدرته على تحقيق أهدافه.. وأما الثاني فهو يعاني كذلك من خلل سلوكي، ينعكس على تصرفاته تجاه الآخر، أيا كان هذا الأمر، وأما الثالث فهو فريسة عدم الوعي وإن كان لا تخلو شخيصته من ضعف، وعقله من غباء، فلم يعد يميز بين الحقائق والأباطيل. قال الحكماء إن حكمة الله تعالى في خلقه أن جعل للمرء لسانا واحدا وأذنين اثنتين حتى يسمع ويعقل أكثر مما يتكلم، فلا نردد بألسنتنا كل ما يصل إلى أسماعنا. نريد (جرعة توعوية) في وسائل الإعلام وفي المقررات الدراسية لأطفالنا وشبابنا، نبصرهم فيها بخطورة ترديد الشائعات التي تنال من حياة الأفراد وتفسد العلاقات، وتدمر المجتمعات. كما نريد من الجهات المعنية سن العقوبات الضرورية التي تتناسب مع حجم ما تحدثه الشائعات من آثار سلبية على المجتمع، حرصا على سلامة وأعراض الأفراد وهو أحد مقاصد الشريعة، ودعما لتماسك المجتمع وانسجامه وتحقيق مصالحه وهو بالطبع أحد مقاصد وأهداف أي حكومة وطنية.. فلنعتبر بما يحدث حولنا في بلدان شقيقة وصديقة، تخسر البورصة فيها المليارات نتيجة إشاعة موتورة، أو تسفك فيها الدماء بسبب إشاعة خبيثة. هل نتبصر ولا نصبح أحد أركان الإشاعة الثلاثة السابقة وندمر أوطاننا وضمائرنا وديننا ومجتمعاتنا ونصبح أضحوكة بل فريسة سهلة لأعدائنا. فلا نجد بيتا أو مؤسسة أو مجتمعا أو وطنا دخلته الإشاعة إلا وأحدثت به خللا وشرخا كبيرا يصعب ترميمه. فلنتق الله فيما نقول ونسمع. رشيد بن حويل البيضاني «عكاظ» السعودية