اليوم الثلاثون من يونيو 2013م، هو الذكرى الرابعة والعشرون لانقلاب الإنقاذ الذي استولت بموجبه الحركة الإسلامية السودانية على السلطة، لتمر هي نفسها بمراحل عديدة وتطورات خطيرة شطرتها إلى قسمين، وفقدت خلال هذه الفترة الممتدة من يوم الجمعة الثلاثين من يونيو 1989م وحتى الآن الثلاثين من يونيو 2013م، فقدت قيادات ورموزاً كبيرة في ساحات الجهاد والمعارك وفي ساحات العمل العام لكن مسيرة النظام الإسلامي السوداني لم تتأثر كثيراً وإن تعثرت قليلاً، وظل النظام الإسلامي السوداني الحاكم منذ لحظة الإعلان عن مولده يواجه التآمر والكيد، ويعاني من ويلات الحصار، حتى من أقرب الأقربين، ومن دول الجوار قبل أن يواجه ذلك من دول الاستكبار التي ظلت ولا زالت تحاول إخضاعه بشتى الوسائل والسبل، دون فائدة. اليوم الثلاثون من يونيو الحالي نفسه، هو ذكرى جلوس الرئيس محمد مرسي على كرسي الرئاسة في الشقيقة مصر، وهو الرئيس المدني الوحيد الذي جاء إلى سدّة الحكم بعد انتخابات ديمقراطية جاءت هي نفسها في أعقاب ثورة شعبية أطاحت بحكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك، بل وأطاحت بما يمكن أن نسميه آخر ظلال حقبة ثورة يوليو 1953م التي اقتلعت الملكية وأطاحت بعرش الملك فاروق الأول، والتي زرعت بذور «الثورية» و«التقدمية» في المنطقة العربية ليتأثر بها - لاحقاً - السودان وليبيا وسوريا وغيرها من الأقطار العربية. «الإنقاذ» في السودان - وهذا هو الاسم الذي اختاره نظام الحكم في السودان لنفسه - لم تعد تحتفل (رسمياً) بهذه المناسبة، وجعلت الاحتفال بها قاصراً على الحزب، بحسبان أن هناك تحولات ديمقراطية فتحت الباب أمام جميع القوى والأحزاب السياسية لتكون (مشاركة) و(منافسة) في حكم البلاد، وليس أدل على ذلك من الحشد الجماهيري و(الأنصاري) الضخم الذي قام على دعوة من السيد الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار، للاحتفال بليلة النصف من شعبان ولكنه بطريقة السيد المهدي الخاصة ذات اللون السياسي والنكهة الحزبية. «الإنقاذ» في مصر، جبهة سياسية عريضة تقف ضد حكم الرئيس محمد مرسي، وضد كل توجه إسلامي، وضمت الأضداد الذين ما كان يجمعهم طبل بينما تفرقهم عصا السلطان. .. الآن احتشدت هذه الجبهة المناوئة لحكم الإسلاميين لتخرج اليوم إلى الشوارع المصرية مطالبة بإنهاء حكم الرئيس مرسي في الذكرى الأولى لتوليه السلطة عبر (انتخابات ديمقراطية) شهدها وراقبها العالم.. لكن الذين يقفون خلف ستار المسرح السياسي المصري استطاعوا التأثير على بعض تلك القيادات والتيارات، ونجحوا في زراعة الفتنة، مثلما نجحوا في زراعتها بأرض السودان، التي تفجرت فيها حمامات الدم واشتعلت الأرض تحت أقدام الآمنين، بعد أن كانت الأرض تنبت الوعود والآمال والأماني. ما يحدث في مصر الآن يريدون له أن يحدث في السودان، لتنتقل صورة الفوضى الحادثة الآن في سوريا، وليبيا، وتونس، واليمن، والصومال، والعراق ولبنان وأفعانستان، وبورما، لتنتقل تلك الفوضى وتعم كل عالمنا الإسلامي، وهي فوضى مدمرة وليست خلاقة، أساسها الفتنة ونتيجتها التقسيم. والفتنة ليست بالضرورة أن تكون سياسية، لأنها ستكون دينية وفكرية وعنصرية وعرقية واقتصادية حسب البيئة التي تقبل عنصر الإشعال. والفتنة يمكن أن تكون ب(رصاصة) تزيح (رمزاً) من المشهد السياسي لبلد ما، مثلما حدث في لبنان من قبل أكثر من مرة، وهذا أكثر ما نخشى أن يحدث في بلادنا أو في مصر، ونخشى أن تعمل الأصابع الخفية على تفجير الأوضاع بين دول الجوار ذات المصالح المشتركة، وتزيد طين الخلاف بلة، حتى وإن كان ذلك من خلال إنشاء سد الألفية الأثيوبي.