إن الذي حفظته لنا الشرائع السماوية والسير وكرائم الأخلاق ان الحقد والغل لا تتفق ولا تأتلف في نفس واحدة مع المروءة ولا مع الشهامة ولا مع الرجولة الحقة بل ان النساء يترفعن عن مثل هذه الصغائر والذمائم فاذا كان الأمر كذلك فهي قطعا لا تتلاءم مع الزعامة والقيادة والرئاسة بل ان الزعامة والقيادة ولارئاسة تتطلب فيمن تطلع الى هذه المناصب درجة أعلى من مجرد البراءة من المعايب والذمائم بل تتطلب سجايا وشمائل تجعل صاحبها يقابل الاساءة بالاحسان والذنب بالمغفرة والدعاء والمعروف وقد سرد المقنع الكندي هذه المطلوبات في ال زعيم اسمعوا معي:وان الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدا أراهم الى نصري بطاء وان هم دعوني الى نصر اتيتهم شدا وان أكلوا لحمي وفرت لحومهم وان هدموا مجدي بنيت لهم مجدا وان ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم وان هووا غيي هويت لهم رشدا وان زجروا طيرا بنحس تمر بي زجرت لهم طيرا تمر بهم سعدا وان هبطوا غورا لأمر يسوؤني طلعت لهم ما يسرهم نجدا وان قطعوا بني الأواصر ضلة وصلت لهم من المحبة والودا ولا احمل الحقد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا صدق المقنع الكندي من شاعر فحل ومن رئيس قوم يعلم الرؤساء كيف يديرون شأن رئاساتهم وزعاماتهم . ان الغل والحقد لا يقدحان في المروءة والزعامة والرئاسة فحسب بل يقدحان في الايمان ألم تقرأ في كتاب الله جل وعلا كيف يدعو المؤمنون للمؤمنين.. حتى لاولئك الذين لم يروهم. ربنا أغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رؤوف رحيم وفي السنة حكاية عبد الله بن عمرو بن العاص مع الأنصاري الذي كان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلع عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة فيطلع ذلك الانصاري فاراد عبد الله أن يسير غور عمله فتصنع أمرا ليبيت معه في بيته ليرى عبادته فلم ير شيئا ذا بال ولما انقضت ثلاثة ليال أخبره بسبب مجيئه اليه وكانه تقال عبادته فقال الرجل ما معناه هو ما رأيت ولا أزيد فما أراد عبد الله الانصراف ناداه الرجل وقال غير ان هناك أمرا لم نشهده وهو أني لا اجد لاحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله اياه فقال عبد الله هذه التي بلغت بك وفي رواية ان القائل عبد الله بن عمر بن الخطاب وعليه بن زيد لم يجد ما يتصدق به لتجهيز الجيش اخوانه الصحابة امام رسول الله صلى الله عليه وسلم نتصدق بعرضه على المسلمين من سبه أو قبحه أو ظلمه أو نال من عرضه فأصبح الناس وقد بلغها جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره أن الله قد قبل صدقته فبكى وبكى الجميع. ان درجات الاحسان في المعاملة لا يحدها حد ولا يبلغ شأوها الا الألون وهي درجات لا ترتقي اليها النفس الكزة الشحيحة على الخير ولكن ترقى اليها النفس التقية الزكية السخية حتى تبلغ أعلى الدرجات درجات الاحسان الى المسئ قال تعالى: (وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين) ? الذين ينفقون في السراء والضراء.. هذه مرتبة ? -- والكاظمين الغيظ وهذه درجة أعلى -والعافين عن الناس وهذه درجة أعلى مما سبق -والله يحب المحسنين وهذه هي الدرجة العليا.. درجة تفوق انفاق المال وكظم الغيظ والعفو عن المسئ بل وتصل الى درجة الاحسان الى المسئ أين هذا من الغل والحقد والحسد والتغيظ على من لم يبدر منه نحوك ما يسئ ولا ما يشين. ان على من أراد أن يقود أو يترأس أو يتزعم أن الثمن باهظ لا تطيقه الا النفوس القوية.. دخل الخادم المملوك على أضياف سيده يحمل لهم طعاما فعثرت قدمه وتكسرت الأطباق وأرتج على المسكني وبدا وكأنه يتمنى ان تنشق الأرض وتبتلعه وكان يتوقع الاهانة والشتائم من سيده لهذه الجريمة النكراء ولكن يا للهول ها هو سيده يصفق بيديه ويصيح فيه: اذهب فأنت حر لوجه الله!!!