خبر بقناة الشروق الفضائية - عاد بذاكرتي الى العام 1993م - مفاده اختفاء سبعة آلاف فدان من الأراضي الزراعية بولاية نهر النيل فى الظاهرة المعروفة بالهدام.. الظاهرة قديمة منذ نشأة الأنهار والأخاديد على كوكب الأرض.. يزيد فوق هذا أن نهر النيل يتحرك- بسببها - من مكانه كل عام... في منطقة الكدرو شمال بحري تدحرج النيل من مرقده حوالي ثلاثة كيلومترات ليصل الى مكانه الحالي!!... وقد لعبت الصدفة وحدها في اهدائي هذا الدليل... ففي بدايات العام 1993م وبعد انتقالنا إلى منطقة الكدرو حيث منزلنا الجديد الذي لم يكتمل انشاؤه - حينها - عزمت على حفر بئر للحمام «البلدي»... عملاً بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:«اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم».. بدأت الحفر في سطح الارض... خلال يومين كنت في عمق أربعة أمتار ونصف... وقد اجتزت طبقة طينية من الأرض نسميها «الرقيطاء»... لا أعرف من أين أتت التسمية... أحسب أن لونها الذي يجمع بين الجير الابيض والطين البني... اثناء الحفر بدأت التوغل في طبقة... شعرت بهشاشتها.. ونسبة لقلة الضوء لم أستطع تبين نوعية تلك التربة... فالبكاد أرى «معاولي» وقد كنت مسروراً لسهولة وسرعة الحفر باستعمال «الكوريق» دون الحاجة ل «أبو راسين»... مر بجوارنا شيخ كبير في السن... وحينما نظر الى الرمال المستخرجة من البئر.. صاح آمراً بالخروج فوراً من البئر.. خرجت متسائلاً: «في شنو يا حاج؟»... فقال لي: «يا ولدي البير دي بتنهدم فوقك.. خلاص كفاها أمرق أمرق... انت جديد في الحفر دا ولا شنو؟... البير حدها الرملة يا ولدي».. ألقيت نظرة على كوم من الرمال يرقد بجوار البئر... وكان أول ما لمحته.. أصداف وقواقع بحرية..!!. لم أشك في أن مصدرها هو نهر النيل... والذي يبعد عن مكان الحفر حوالي ثلاثة كيلومترات.. ما يعني ان المنطقة المسماة «الكدرو» الآن.. كانت قبل آلاف السنين... غرب النيل وليس شرقه كما هو اليوم..!!. آثار النيل على بعد أربعة أمتار ونصف تحت سطح الارض... والنيل ذاته مسافته من تلك النقطة أكثر من ثلاثة كيلومترات... فهل ستكون مدينة أم درمان بعد آلاف السنين... شرق النيل؟؟.. أم ستزحف المدينة معه غرباً... وهل يفكر علماءنا في دراسة وتبني مثل هذه الظواهر والتعامل مع معطياتها بتمحيص أكثر..؟؟