الفترة التي قضيناها بالخليج تعرفنا على عدد من شعوب العالم وعاداتهم بل وبعض لغاتهم وكان اكثر ما يشدنا في هذه اللغات اولئك الأعاجم الذين يجتهدون لتعلم لغة البلد المضيف «العربية» وفي بدايات هذا التعلم يستخدمون مصطلحات تدعو الى الدهشة والضحك احياناً.. كان من بين تلك المصطلحات والتي يستخدمها غالباً الآسيويون المغتربون بالخليج كلمة: «فاضي» التي يردفونها بعد الكلام الذي لا يعجبهم أو يدمغون بها التصرف الذي يستفزهم فيقولون: «هذا كلام فاضي» الا انهم يستبدلون حرف «الضاد» وهو عنوان اللغة العربية بحرف «الزاي».. فنجدهم يكثرون من كلمة «هذا كلام فازي» ويقصدون ان ما حدث لم يعجبهم.. بعد هذه المقدمة والتي شرحت بها اختياري للعنوان أعلاه أريد ان أوجه الحديث الى الاخوة د. غازي صلاح الدين ومن سيتبعه ولا أقول من تبعه.. لأنني لا أرى في المذكرة التي رفعوها للاصلاح عيباً وإن كنت لا أعرف حرفاً واحداً من مضامينها ومحتوياتها الا انه يكفيني أنها صدرت بعنوان «النصيحة» وهنالك امرأة خطأت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بل وامرأة اخرى استوقفت موكبه لتخاطبه.. لذا لا أرى اني سأوجه الحديث لغازي ومن تبعه..! ولكني أوجهه لغازي ومن سيتبعه في حالة الإنشقاق أو التفكير في تكوين حزب أو جسم آخر يكون له اتباع وهياكل.. وانا أسوق هذا الحديث أعلم بأن بعض المخاطبين به ومن كلا الطرفين سيجهلون أو يتجاهلون من ينوب عن الكثيرين به.. كما أعلم اني لا أملك سلطة ولا ريادة في اي من المواعين السياسية مؤتمراً كان أو حركة وإن كنت في قلب المعترك وتشرفت بتنظيم الاحتفال الاول للانقاذ ورأست لجانه بعد شهر ونصف من قيامها بمدينة الصحافة وما أدراك ما مدينة الصحافة.. ولكني أقول الآن نحن -وليس أنا- من الموقوفين على الرصيف وليس الواقفين على الرصيف كما ذكر شيخنا المجاهد العالم الأريب استاذنا واستاذ الأجيال في ذلك اللقاء معلوم المكان والزمان عندما دعا داعي «اوكامبو» أو ما يعرف بالمحكمة الجنائية.. فاضطر القوم أو زعماؤهم لمناداة الواقفين على الرصيف أو الموقوفين ليدعوهم الى الاعداد والاستعداد.. قصدت بهذا التطويل أن أوضح بأن هناك الكثيرين من الواقفين أو الموقوفين على الرصيف من الحادبين والمخلصين والنشطين جداً مهما كانت مسيرة العمر بهم يجترعون مرار الغُصص مما يحدث هنا وهناك وضجَّت وعجَّت مجالس العضوية بالحقد والإحباط حتى على مستوى قيادات الأحياء والولايات إلا أن الأخ د. غازي ومن معه يمتازون بأنهم يستطيعون اذا أخلصنا النوايا أن يبلغوا أصواتهم وآرائهم دون رفع مستوى الصوت أو الجهر به للعامة.. بخلاف أولئك النفر من القاعدة -وأنا منهم- الذين لا تفتح لهم أبواب المسؤولين أو حتى النافذين من معارف الأمس اللصيقين واولئك الذين جاءوا على حين غرة ولم تعرفهم ليالي الأمس الشدائد.. أقول بأن القاعدة بالرغم من محاولة بعض الولاة والمعتمدين إقامة اللقاءات التنويرية التي تجمعهم بالقواعد إلا أن هذه اللقاءات ايضاً محكمة الضبط وربما تحسس بعض المخلصين في أن يزجوا بآرائهم فيها.. ولذا فقد كنت قد طلبت في لقاء سابق وقديم ضم عدداً من الدستوريين.. بأن يكون هناك لقاء مكاشفة شهرياً خاص بالعضوية يتنقل من حي الى حي ليسمع الناس من هم في الميدان أخطاء اللعبة أو كما ذكرت لهم ليسمعوهم «وسخ إضنين». إذن دكتور غازي والذين معه لا يطلب الله منهم ولا القواعد ما تُسفر عنه النتائج بقدر ما يطلب الله وعباده منهم ويؤجرون على السعي.. وهذه مسؤولية الدعاة بل الأنبياء على مر الأزمان« وما عليك ألا يزكي».. «لست عليهم بمسيطر».. «أفأنت تكره الناس».. واعلم أن المخاطبين يعلمون ذلك اكثر مني وفيه شابت نواصي رؤوسهم بل كلها.. بل أقول اكثر من ذلك بأن الله لو أراد الشفافية والعدل بنسبة 100% أو 50% في هذه الحياة لاسماها «العليا» أو «الوسطى».. ولكنه أسماها «الدنيا» ويكفي هذا اسماً وصفة وتوضيعاً لها..!! أخي الدكتور ومن سيتبعه أنا أقول لكم هذا الإنشقاق «كلام فازي» حقيقةً لأننا فقدنا فيه من قبل خيرة الاسلاميين حتى تبقى لنا «القشر» فقط مع قليل من «البذور» وشتات الثمر.. وأنا طالب بالمرحلة الثانوية أتذكر كيف كنت مع زملائي من مدارس مختلفة تخدم ذلك اللقاء بدار الثقافة الاسلامية بالخرطوم بحري الذي ترأسه د. الترابي وحضره كآخر عهد له بالتنظيم الشهيد محمد صالح عمر.. وكان يهز أرجله ممتعضاً من كل ما يقال ومن يقول.. فقدنا خيرة النفر الذين يطلبون من هذه الدنيا أن تكون «عُليا» أو «وسطى» بالاضافة الى الشهيد محمد صالح عمر ايضاً الأستاذ الدكتور محمود برات وجعفر شيخ إدريس وصادق عبد الله ودكتور الحبر يوسف وعصام البشير وأبو نارو وحتى آخر السلسلة د. الترابي.. والمرحوم يس عمر وكلهم وأقولها بملء فيَّ لا يوازيهم أحد الآن في صف الحركة الاسلامية من قمته الى قاعدته وما ذلك إلا لأنهم طلبوا «المستحيل» وهو إستقامة «الدنيا» أو رفعها الى العليا وبالرغم من طهارة وقوامة اولئك النفر والذين كانوا يجدون من يشجع آراءهم ويقول لهم «لئن اخرجتم لنخرجن معكم» و«ان قوتلتم لننصرنكم».. إلا أن واقع الحال يقول بأنهم ضاعوا أو أضعناهم..من تدثر منهم خلف لافتات أحزاب أو جماعات أو من إنزوى بنفسه لازماً أو متعدياً ممن يكتب في الصحف منتقداً ومتنفذاً.. لذا لا أظن بل أجزم أن الكثيرين ممن لا يعجبهم حال المؤتمر الوطني أو الحركة لن ينضموا الى حزب غازي كما لم ينضم معظمهم الى حزب مؤسس المؤتمر والحركة من قبل.. فالبعض منهم ينظر الى تجارب المنشقين من قبل وأين ذهبت بخيار المجاهدين.. والبعض الاآخر يرى أن تيار المسيرة لم يقف بالرغم من انه قد أخذ في جرفه الحصباء والغبره.. لا أريد أن أسأل أهل الاصلاح عن البديل لرفع الدعم الذي كان أحد أسباب خروجهم.. ولكني أسأل عن هل هذا هو التوقيت المناسب لهذه المعارضة! والداخل والخارج يتنمر -لا أقول بالانقاذ- ولكن بالسودان.. إن السودان كله يمر بحالة من حالات الأورام واي جراحة ستستشري.. وأجزم بأن التنظيمين الآن في «مستنقع» ووحل ولا علاج لذلك بالحفر خارجهما بل من داخل هذا المستنقع لتجري المياه ثانية الى مجاريها ومراميها ان كان السودان وكانت الشريعة القاصدة وان يرجع اليها الواقفون أو الموقوفون على الرصيف. أختم قولاً بأن التاريخ القريب والبعيد يوضح أن من بداخله بذرة تغور أو انشقاق سينشق مرة ومرات مثل «الهيدرا» ودونكم النموذج في الأحزاب الاخرى التي انشطرت الى اثنين ثم من كل واحد انشطرت الى عدة كيانات والبعض قد يئس اخيراً وتحوصل.. وهناك من رجع الى داره الاولى بعد أن اصطدم بذات الممارسات البشرية التي واجهته اولاً في الكيان الثاني. نتمنى ألا نفقد د. غازي والذين معه من الأخيار في ماعونهم الأساسي لأن المعارضين لن ينظروا لهم إلا سليلاً من كنانة الحركة الاسلامية كما نظروا الى «د. خليل» وآخرين رغماً عن وصول معارضتهم للنظام والحركة الى حد المواجهة المسلحة واعتبروها مواجهة داخلية فرحوا بها وشمتوا بهزيمة اي منهم..! لا أقول فقط اللهم هلا بلغت فاشهد.. ولكن ايضاً أدعو الله مخلصاً ان يُقيِّض لهذه البلاد العاملين العالمين المخلصين ويعز فيه أهل طاعته «ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أُوتوا» وايضاً «والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم».