لعل الإنقاذيين في فبراير من العام 1998 لم «يتلفتوا» كثيراً لاختيار خليفة لمنصب النائب الأول الذي شغر باستشهاد المشير الزبير محمد صالح وإن كان الاختيار الذي تم بتسمية علي عثمان كان واحدة من علامات المفاصلة حيث رشحت قيادات إسلامية ومنها إبراهيم السنوسي وغازي صلاح الدين ود. حسن الترابي وهي مسألة مذكورة في تقارير صحفية وحوار أجري مع السنوسي، بينما رشح الترابي د.علي الحاج.. ولعل ذات الحال ينطبق الآن على قيادة الإنقاذ حيث بات في حكم المؤكد حسم المسألة لصالح بكري حسن صالح - المقرب جداً من البشير- وهي خطوة قد تعني أن مرشح الرئاسة المقبل من جانب المؤتمر الوطني هو بكري نفسه وقد بدت ملامح تصعيد بكري وتقوية نفوذه من خلال استبقائه في القصر طيلة الفترة الماضية مما يعني معرفته لكافة تفاصيل ما يدور في رئاسة الجمهورية لكن المهم هو تقوية نفوذ العسكريين وهي مسألة تبدو طبيعية من المتغيرات في المنطقة، فأهم الدول بالنسبة لنا وهو الجنوب يحكمه عسكريون ويتوقع استمرار حكمهم وذات الحال كان في ليبيا ومصر وأريتريا وحتى أثيوبيا في عهد زيناوي الذي هجر الطب وحمل البندقية وذات الحال في يوغندا وكينيا تقدم العسكريين بات واقعاً لعدة أسباب، أولاً ترسيخ الفرضية منذ الإطاحة بالترابي في العام 1999، ثانياً: إن الأوضاع الراهنة في البلاد وتربص الجبهة الثورية وحركات دارفور المسلحة قد تجعل الرئيس البشير يتجه لأصحاب «الميري » حتى في مسألة اختيار الولاة، سيما وأن عدد الولايات الحدودية ارتفع بانفصال الجنوب.. ثالثاً: إن وجود العسكريين يجنب الأوضاع في البلاد أن تنجرف نحو ما وصلت إليه الحالة المصرية، إذ أن الإنقاذ أصبحت «خلطة» بين العسكريين والسياسيين وفي البال أن بكري حسن صالح بات نائباً للأمين العام للحركة الإسلامية، كما أن المشير البشير هو الرجل الأول في الجيش والحزب. رابعاً: الاختيار لبكري فيه تجنيب لخلافات السياسيين فيما بينهم حول المنصب مثلما حدث عند خلافة علي عثمان للمشير الزبير وكان واحداً من أسباب الشقاق الذي حدث بين الإسلاميين كما أسلفنا. خامساً: إن اختيار بكري ليس بعيداً عن ملف المحكمة الجنائية التي وجهت اتهامات للرئيس ووزير الدفاع باعتبار أن تسمية بكري تمكن من التعاطي مع هذا الملف باطمئنان خاصة وأن كثيرين كانوا يهمسون بشأن رؤية مغايرة لطه بشأن الجنائية وكثيراً ما كان رئيس منبر السلام -الطيّب مصطفى- يلمح لذلك. سادساً: تسمية بكري تغلق باب الشائعات بشأن وجود خلاف خفي بين الرئيس والنائب الأول علي عثمان، وبذلك لن يتحدث شخص عن وجود خلاف في هرم الدولة بين الكبار. سابعاً: مغادرة طه إيقاف للسباق بين السياسيين والعسكريين إن لم تكن انتصار الأخيرين. لكن بالمقابل فإن الحكومة ستجابه بحزمة تحديات أولها أن المقارنة ستقع بين علي عثمان وخليفته - حتى وإن حدثت مفاجأة اليوم بسحب بكري وتسمية شخصية أخرى.. ثانياً: حال تم الاتفاق على بكري فإن بعده عن بعض الملفات السياسية وعن الحزب خاصة ستجعل البعض يشفق على مستقبل الوطني والانتخابات على الأبواب مما يتطلب تسمية نائب ثالث للحزب بجانب الشؤون التنفيذية والتنظيمية يكون معنياً بالشق السياسي لدعم الموقف. رابعاً: الصمت الطويل لبكري سيجعله في مواجهة مع الرأي العام تتطلب منه تقوية القدرات وتدعيمها وذلك أن الرجل آثر الصمت لفترة طويلة وينتظرون ماذا سيقول مع العلم بأن لكل مرحلة متطلباتها. على كلٍ الحكومة في مرحلة جديدة حتى وإن لم يحدث تغيير على مستوى الوزراء، فتغيير وجوه القصر له ما بعده سيما وأن الحاج آدم نفسه أعلن أمس مغادرته لمنصبه.