المخدرات آفة فتاكة تنخر في بناء المجتمع فتهد كيانه وتحطم معنويات بنيه، مما دفع كافة الأديان إلى تحريمها- وحدا بمعظم الدول لإعتبار تعاطيها جرم ينال العقاب الصارم- وقد روى عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قوله: «إن كل مسكر حرام وكل مفتر حرام، وإن ما أسكر كثيره فقليله حرام»، ومن يتعاطى المخدر يقع أسير نزواته، فيفقد شخصيته والسيطرة على نفسه، ويكون ضعيف النفس ناقصاً- فيسعى حقداً منه إلى حمل الأقربين إليه إلى تعاطي المخدر كزوجته، وأصدقائه، موهماً إياهم إنه يولد الشعور بالسعادة، ويهب المقدرة الجنسية، ويزيل ما بالنفس من ضجر وهموم، حتى يقعوا في شباكه وتتجلى لهم الحقيقة المؤلمة، وتضعف أعصابهم، ويحاولون دون جدوى الخلاص، ولكن يكون قد فات الأوان وسبق السيف العزل، ويضطر المدمن إلى الحصول على المخدر الذي عادة ما يكون ثمنه مرتفعاً، لما يفرضه تداوله من وقوع تحت طائلة قانون صارم لا يرحم، فيلجأ للحصول على المال بشتى السبل فينحرف الشاب، وتمتهن المرأة الدعارة، ويترتكب الرجل الجرم تلو الآخر، حتى ينتهي بهم الحال إما إلى غياهب سجن بعيد الأجل، أو إلى المصحات العقلية، لأن الأثر السيء للمخدر على العقل تثبته التجارب كل يوم. والواقع أن كل ما يحققه المخدر لمتعاطيه راحة وقتية، وخيال واسع، يجعله يسدل بينه وبين ضميره حجاباً كثيفاً، إلى جانب تحقيق تجاوب وهمي مع الميل الجنسي، ولكن هذه الحالة لا تلبث أن تزول ليلقى الإنسان واقعه المرير، فيعيد الكرة هروباً منه، وهكذا دواليك.ومن المخيف حقاً أن خطر المخدرات قد إستفحل في الآونة الأخيرة خاصة بين الشباب، وهم أمل الأمة ومستقبلها. والسبب مرده إلى أن المراهق بطبعه شغوف يخوض المغامرات، واكتشاف ما هو جديد، فيقع أسير هذا الداء العضال. والمخدرات أنواع عديدة، وأنواعها المعروفة الأفيون والحشيش، وهما أكثر أهمية وشيوعاً- كما أن هناك أنواع أخرى منها المورفين، والهيروين والكوكايين- وأياً كان نوعه فإن نتائجه الضارة لا تقف عند حد، وقد قررت له بعض الدول عقوبة الإعدام، وقد أجرى في أمريكا استفتاء على ما يمكن توقيعه من عقاب على بيع المخدرات للأحداث- فكانت أغلب الإجابات تطالب بالإعدام- مما أدخل الرعب في نفوس تجار هذه السموم. أما في الإتحاد السوفيتي فرغم محاولتهم إنكار وجود مدمني مخدرات، إلا أنهم عام 1959م وبعد تقديم مشورة خاصة بعلاج مدمني المخدرات في وثيقة الأممالمتحدة رقم 357/7 إعترفوا بوجود مدمني مخدرات بالإتحاد السوفيتي، وإنشاء مستشفيات لعلاجهم، هذا وقد أثبتت بحوث العالم الفسيولوجي الروسي بافلوف باترنفيش 1939م أن: 1- الكمية التي يتناولها مدمن الأفيون تضعف قوة جهازه العصبي التي هي مصدر قوة القلب الدافقة. 2- أي تأثير يترتب على إباحة المخدرات سوف تناهضه الجمعيات الباثولوجية. وقد رأى العلماء الأمريكان ومنهم إيزيل وتويزر أن المشكلة الأساسية في علاج إدمان المخدرات تحتاج إلى إقامة المدمن زمناً طويلاً جداً تحت العلاج، لأن الإنقطاع الفجائي له كذلك آثار ضارة، ومن الوسائل التي أتبعت لنبذ الإدمان إمتناع المدمن أثناء تنويمه تنويماً انعكاسياً بالإحجام عن المخدرات، وذلك بإعطائه حقن بارجيل تكفي لاستمالته للنوم لحوالي عشرين ساعة في اليوم، مع حقنة بالبلاميو وإعطائه جرعات مضادة، وقد لجئ مؤخراً إلى خلط مزيج من الأفيون وسلفات الماغنيزيوم، وحقن المريض بها في الوريد، مع إنقاص الجرعة يومياً من الأفيون وزيادة السلفات، ويحتاج المريض عادة بعد الإقلاع إلى علاج نفسي، خاصة بعد مغادرته المستشفى، لأن هذه تكون أحرج أوقاته، وتهدف العلاجات المختلفة إلى إضعاف الرغبة في المخدر، وتفيده حقن معروفة باسم مبرديامات، وبالطبع فإن مجال التوسع في ذلك يترك لذوي الإختصاص الاطباء. وفي سنة 1929م لجأ الامبراطور ستق في الصين إلى إعلان تحريمه- فكان لقراره نتائج عكسية لأن المحظور مرغوب، ولأن هذا الإعلان لفت النظر إليه، وكانت إنجلترا تصدره للصين مما دفع الامبراطور لإبادة كميات وفيره منه، وأدى ذلك إلى سوء العلاقات بين ملك بريطانيا وامبراطور الصين، إذ أعتبر الأول أن هذا التصرف إعتداءً على حرية التجارة- نشأت بينهما حرب دامت حتى العام 1842م إنتهت لصالح إنجلترا- وفقدت الصين أول حرب لها ضد الأفيون، فاضطرت الصين إلى إباحة زراعته، وتعاطي الافيون، وبدأت الدول في تحريمه وحظر تداوله منذ العام 1907م. وكان أقل عمل جاد ذلك المؤتمر الذي عقد بجنيف في سويسرا، حيث وقعت اتفاقية بحظره، وكلمة opivm معناها الأفيون مأخوذة من كلمة إغريقية تعني juice أي عصير. ران، والهند، والصين، لظروف المناخ التي تلائم زراعته، وهو لا يصلح للتعاطي إلا بعد إعداده بطريقة خاصة، كتعرضه للنار وخلطه بالماء، وتقطيره، وتركه في أواني من الفخار لفترة طويلة، ثم إعداده للتصدير بطرق سرية، وقد يدخن الأفيون بوضعه في غليون واستنشاقه، حيث يداعب النوم جفن مدخنه، ويحلم أحلاماً جميلة، ولكنه ما أن يستيقظ حتى يكون في حالة يرثى لها من الاعياء، وهبوط المعنويات يدعوه إلى رغبة جامحة في تناول المزيد من السم، كما يصاب بصداع حاد، وألم في المعدة، وميل إلى القذارة، ومن طرق تناول الأفيون كما اسلفنا أكله، بهذه الطريقة يكون الإدمان سريعاً جداً، مما يفقد المدمن كل المثل وينفر من المجتمع وتقاليده. ü نبذة تاريخية عن المخدرات: الأفيون وهو مادة سمراء اللون ذات رائحة نفاذة، قريبة الشبه بالعجوة، وهي مستخرجة من نبات الخشخاش بعد تجفيف عصارته، ويختلف في تشكيله بإختلاف مصدره. ففي الهند مثلاً يصاغ كهيئة أعمدة سوداء، وهو سريع المفعول، شديد الأثر إذ يشل التنفس، ويولد الرغبة في النوم، وإذا كثر تعاطيه أدى إلى الوفاة، وعادة ما يتناول مع القهوة، أو يمضغ، ولقد زرع لأول مرة في بلاد الفرس في القرن الثامن. وسمى بجرة البوبي (poppy)، وإنتقلت زراعته إلى تركيا، واليونان، ودول الشرق الاوسط، وحملته قوافل العرب إلى الصين، والهند، حتى تفشى بصورة مريعة في القرن الخامس عشر وتنوعت وسائل تعاطيه.الحشيش هو الأطراف المزهرة من أغصان أنثى نبات القنب أو شجرة الحشيش المعروفة، والكثيرة النمو بجنوب السودان، وتعاطي الحشيش يكون عادة بتدخينه بعد تجفيفه، كما أن نباته ينمو في المناطق الحارة، ويكون طول الشجرة من متر واحد إلى ثلاثة أمتار، وبمجرد تدخينه يفقد الشخص القدرة على متابعة الوقت والمكان، وتزداد ضربات قلبه، ويميل إلى النوم، كما أنه يكون جباناً لأبعد الحدود، ولكنه في الوقت نفسه يشعر بإنشراح وسرور بالغ، ومرح يترتب عليه تمرير وتهيؤات جنسية بفقد تقدير الزمن والمسافة، ثم ينام بعد ذلك نوماً عميقاً، ليستيقظ وهو أشد رغبة في تعاطيه. ومن أسماء هذه المخدرات البنقو، والجانجا، أو القنب الهندي، والمروان هذا وقد شاع تدخين هذا المخدر في الولاياتالمتحدةوإنجلترا، وقد درج على استعماله بعد تجفيفه لمدة أسبوعين ثم سحقه ليكون أقرب إلى البودرة.