خلال زيارتي لولاية غرب دارفور مع حزب المؤتمر السوداني زرت جزءاً من معسكرات النازحين التي يبلغ عددها «27» معسكراً بالولاية يقطنها «288» ألف نسمة، مما شاهدت ورأيت علمت لِمَ يمن مسؤولونا من قبل بالبيتزا والهوت دوغ وكثرة الملابس، لأنه ما زال هناك من يتقاسمون معنا الوطن من أبنائه الأصلاء لا يعرفون وجبة غير العصيدة ولا يحلمون ويتطلعون إلى شيء اسمه الرغيف.. يعيشون في العصور الوسطى ولا يعلمون شيئاً عن القرى الحديثة.. هربوا من الخطر إلى المجهول، ومن المأساة إلى الكارثة.. حقاً هنالك تبددت كل المعاني الإنسانية التي دعت لها الأديان والبشرية في تطورها الذي أسس لمواثيق حقوق الإنسان الدولية . النازحون استنكروا الوضع الذي هم فيه وقالوا لم نتوقع أن يكون ذلك الجزاء وهم من جاهدوا الغزو الفرنسي ومنعوه دخول السودان وقدموا «7» آلاف نسمة ثمناً لذلك.. اتهموا الحكومة بأنها تسترزق من أوضاعهم تلك ومن أحاديثها عن العودة الطوعية.. üü النازحون وأشواق العودة: تحدث إلينا شيخ معسكر الرياض «أبوجا» أيوب إسماعيل إبراهيم مستنجداً بالحكومة التي قال إنها وضعتهم في تلك المعسكرات، طالباً أن توفر لهم الحماية والأمن من حوادث جراء النهب والقتل والحرق التي تلاحقهم إلى هذه البقعة الضيقة من الأرض، إذ احتموا بها ظناً منهم أنها آمنة، وذكر أيوب أنهم أناس بسطاء لا يستطيعون مواجهة الحكومة أو الحركات المسلحة حين يضغطون عليهم من أجل الرحمة بهم، قال نحن نشتاق للعودة لقرانا، إذ بها تاريخنا وتراث أجدادنا، وزاد ضاعت حياتنا بالمعسكرات وتبدد مستقبل أبنائنا فيها. قال أحدهم ساخراً كدنا نجمع ناس المعسكرات ونكون حزب النازحين، مردفاً بكل تأكيد سيكون له أكبر قواعد.. اشتكوا من الجوع والفقر والعراء وعدم وجود صحة وماء ومدارس، بل نقص حاد في كافة الخدمات، ويتهمون الحكومة بافتعالها ذلك حتى تفكك المعسكرات لإزالة أية آثار للأزمة في وقت لم توفر لهم الأمن في قراهم حتى يعودوا إليها، بل حتى لم توفر لهم الأمن والحماية في الوضع الذي هم فيه الآن داخل المعسكرات التي تحت سيطرتها.. أسئلة علها مشروعة طرحوها للإجابة.. لكن ماذا نفعل؟.. لا وجهة نستقبلها.. إلى متى هذا الوضع؟.. كيف المخرج؟.. وأسئلة لا تنتهي سمعناها من شيوخ وكهول المعسكر.. ولكن بكل تأكيد لا نملك الرد عليها وكل ما نستطيع هو نقلها. عندما دخلنا معسكر كرنة 1 وجدنا حريقاً هائلاً قد سبقنا إليه بيوم، النيران التهمت كل شيء، رأينا آثار الحريق والدمار ورائحة الموت وألوان الرعب تمتزج بتراب المعسكر وفي عيون أطفاله، ما زاد الحال سوءاً أن المعسكر كغيره غير مخطط لا مخارج ولا منافذ والبناء رواكيب من الخشب الخفيف شديدة الالتصاق لا مساحات بينها، الحريق قضى على «26» راكوبة وتضررت 17 أسرة ضرراً كاملاً. في ساحة خالية منتصف المعسكر وجدنا أكواماً من الدخن توزع على الأهالي بالكوز.. شاهدنا كرتونة حلويات صغيرة فارغة يضع فيها كل حسب إمكاناته من النقود عليها لتقسم على المتضررين.. أكدوا بشدة عدم زيارة أي مسؤول أو حتى المعتمد أو الوالي إليهم، بل الأخير لم يزرهم منذ توليه أمر الولاية رغم أن النيران حسب ذكرهم، تعالت ألسنتها وشوهدت من كل المدينة.. بل ذكروا ما هو أبعد من ذلك قطعوا بأنه لم يزرهم أي مسؤول أو والٍ طيلة العشر سنوات الماضية التي قضوها بالمعسكر.. حتى الأحزاب لم تأتِ إليهم وأن أول زيارة هي التي قام بها حزب المؤتمر السوداني، مؤكدين أنهم لن يصمتوا طويلاً ما دام أن «السمح والشين» لدى الحكومة واحد.. مطالبينها بترحيلهم من تلك المعسكرات البائسة إلى مواقع أفضل.. وقال رئيس اللجنة العليا للنازحين بغرب دارفور إبراهيم داؤود أرباب إن الإنسان الذي كرمه الله أصبح أحقر المخلوقات في دارفور تزهق الأنفس التي حرم الله قتلها وسط السوق وأمام مرأى من أعين المواطنين.. وأضاف في إحدى مراحل القتال كانت الجثث ملقاة في العراء لا نستطيع سترها إلى أن جرفتها الوديان. سألت مريم إحدى فتيات المعسكرات وهي عائدة على حمارها للتو مع نسوة وتحمل كميات كبيرة من الحطب ماذا تفعلين به.. هل هذا للبناء.. ردت لا هذا أبيعه لأشتري بثمنه قوتاً أطمعه وأطهي به. علمت منهن أن في أرض المعسكرات لا يطعم من لا يعمل، كل لابد أن يعمل ويأتي برزقه وقوته ونقوده سيما أن أكثر قاطني المعسكرات من النساء والأطفال. وتحدثت لمجموعة من الأطفال وجدتهم ينظرون إليّ دون إجابة لسؤالي ألا تذهبون للرياضة.. إلى أن جاء شاب وخاطبهم بكلمات لم أفهمها بعدها اقتربوا مني وهم يضحكون والتقطت لنا بعض الصور سوياً.. فاجأني أحدهم يجر لعبة عبارة عن دبابة صنعها بنفسه.. هذا هو الواقع الذي شكل طموحاتهم على ما يبدو وأكثرهم يغطي وجوههم الذباب وجيدهم التمايم، وكبار السن من النساء يعملن في بيع المحاصيل أو نسج السعف ومنهن من يجلسن وحيدات بلا أنيس في محنتهن. إبراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر السوداني اتهم الحكومة بمعاملة النازحين كالوباء «حشرهم» في مكان منبوذ ليأكلوا من خشاش الأرض حسب توصيفه، وقال لن نصمت على ذلك، سنواجه الحكومة التي تنصلت من واجباتها.. معلناً عن إطلاقه حملة لتوسعة وإعادة تخطيط وبناء المعسكرات. نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني د. الفاتح عمر السيد طالب النازحين بأن لا يطأطئوا رؤوسهم ولا يستسلموا لهذه الأوضاع، حاثاً إياهم للنهوض قائلاً أنتم من سينقذون السودان لأننا نعيش في زيف بالخرطوم.