الأهلي يهزم مازيمبي بثلاثية نظيفة ويصعد لنهائي الأبطال    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    وصول طائرة للقوات المسلّحة القطرية إلى مطار بورتسودان    الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معسكرات النازحين.. إنهم يتقاسمون البؤس والشقاء
نشر في الصحافة يوم 17 - 09 - 2013

دارفور: صديق: «كفاية، لقد سئمنا حياة المعسكرات»، هكذا اجابت عضو اللجنة العليا لمعسكر نازحي النيم بشرق دارفور نوال عبد الله عيسى حينما سألتها عن اوضاعهم وكيف تمضي حياتهم، وتبدو المرأة القادمة من قرية كليكلي ابو سلامة مثل غيرها من النازحين الذين التقتهم «الصحافة» بمختلف المعسكرات، فجميعهم يتفقون على انهم يواجهون معاناة لا حدود لها وينشدون ان تضع هذه الحرب اللعينة كما وصفوها اوزارها حتى يتمكنوا من العودة الى ارض الجدود التي اجبرتهم الحرب على مفارقتها مكرهين بحسب تأكيدهم.
«105» مواطن بديلة
معسكرات النازحين تتوزع على ولايات دارفور الخمس وتبلغ «105» معسكرات بعضها خارج سلطة الدولة، ويتعامل سكانها مع قوات اليونميد والمنظمات الاجنبية فقط، ويوجد فيها عدد من المعسكرات، منها النيم الذي يوجد به «100» ألف نازح، وهو مجاور لمدينة الضعين حاضرة الولاية، وفي ولاية شمال دارفور توجد خمسة معسكرات واشهرها ابو شوك وزمزم والسلام، ويضاف اليها معسكرا «كساب وفتابرنوا» للنازحين بمحلية كتم، أما ولاية غرب دارفور توجد بأراضيها تسعة معسكرات للنازحين هي اردمتا وكريدينق «1» وكريدينق «2» والجامعة والرياض وبرتي والحجاج وأبو ذر والسلطان، أما ولاية جنوب دارفور فتوجد بها معسكرات كلمة وعطاش والسلام ودليج وسكلي وموسى، وكل هذه المعسكرات في وحول مدينة نيالا، ويضاف اليها معسكر كاس بمحلية كاس، ومعسكر مرشينج بمحلية مرشينج، ومعسكر شعيرية بمحلية شعيرية، ومعسكر مهاجرية بالقرب من مدينة مهاجرية. أما ولاية وسط دارفور فهي الأكثر اكتظاظاً بمعسكرات النزوح من بين ولايات دارفور، وتضم «21» معسكراً للنازحين تضم «367368» نازحاً حسب إحصائيات برنامج الغذاء العالمي، وهذا العدد من النازحين موزع بنسب مختلفة على محليات الولاية السبع، وتحتضن مدينة زالنجي وحدها اربعة معسكرات هي الحميدية والحصيحصا وخمسة دقائق وطيبة السلام، بينما معسكرا رمنتاس والشباب بمحلية أزوم، ويوجد بمحلية وادي صالح كل من معسكر جدة ومعسكر عرديبة ومعسكر الجبلين ومعسكر السلام «دليج» ومعسكر أم خير للنازحين، وبمحلية مكجر معسكر مكجر، وبمحلية أم دخن معسكر ام دخن للنازحين، وبمحلية نرتتي يوجد معسكران هما معسكر نرتتي جنوب ومعسكر اشترينا، وبمحلية بندسي معسكرا بندسي شمال وبندسي جنوب، كما توجد معسكرات اخرى صغيرة حول المدن، وكل المعسكرات التي تبلغ «57» معسكراً تحولت الى قري كبيرة شيدت منازلها من المواد المحلية، ويتلقي قاطنوها الذين تقدر الأمم المتحدة عددهم بمليون وخمسمائة الف نسمة اعانات غذائية من برنامج الغذاء العالمي، ويرسل السكان ابناءهم الى المدارس التي انشأتها المنظمات لتلقي تعليمهم، فيما يتجه عدد كبير من سكان هذه المعسكرات الى المدن الكبري للعمل بأجور زهيدة كما هو الحال مع حسن، وهو شاب يحضر يومياً من معسكر كلمة بجنوب دارفور الى نيالا للعمل في مهنة العتالة التي قال انها توفر له دخلاً بالكاد يكفي لشراء خبز وبعض الخضروات لأسرته، ويقول ل «الصحافة» إن البطالة تمثل اكبر هواجس سكان المعسكرات، مشيراً وهو يتحدث الينا في سوق المحصولات بنيالا الى ان الكثير من الشباب فضلوا الهجرة خارج الولاية والسودان بحثاً عن موارد دخل وفرص عمل، وحينما سألته عن انطابعه حول مرور عشر سنوات من الحرب بدارفور، اجابني: «نأمل ان تتوقف الحرب ونعود لقرانا، وذلك لأن الحياة في المعسكرات قاسية».
مخاطر
وخلال مرافقة «الصحافة» لوفد مفوضية حقوق الانسان بدأ النازحون بمعسكرات جنوب دارفور غير راضين عن واقعهم، وكشفوا عن أوجه المعاناة التي حولت حياتهم الى جحيم، فقد قالت العمدة مريم ابراهيم من معسكر عطاش ان المعسكر يضم اكثر من «54» ألفاً من النازحين، ولا توجد به قابلة لتوليد النساء، وتساءلت قائلة: «الا يعتبر هذا انتهاكاً لحقوق الإنسان؟» مبينة ان كل النساء في المعسكر لا يجدن فرص عمل حتى في عمل اليومية، وأصبحن لا يستطعن ان يخرجن للاحتطاب واذا خرجن تتعرض حياتهن للخطر، واوضحت العمدة ان كل رجال المعسكر ليست لهم وظائف.
تخلوا عنهم
وينتاب النازحين شعور بأن الامم المتحدة ومنظماتها المختلفة قد تخلت عنهم ووضعتهم في مواجهة ظروف حياتية بالغة التعقيد، وذلك حينما قلصت حصص الغذاء الذي كانت تقدمه، ويعتقد آدم من معسكر الحميدية بغرب دارفور أن النازحين في السنوات الاولى ورغم جراحاتهم النفسية كانوا يحظون بدعم معنوي وغذائي من المنظمات التطوعية والامم المتحدة. ويقول انها لم تعد تهتم بهم كثيراً، مشيراً في حديث ل «الصحافة» الى ان المعسكرات باتت جحيماً لا يطاق، وهجرها الشباب الذين قال ان الكثير منهم انضم للحركات المسلحة او اتجه لممارسة النهب المسلح، وذلك لعدم وجود فرص عمل وتجاهل الدولة رغبات النازحين المتمثلة في العودة الى مناطقهم.
صعوبات العودة
حماد، وهو مواطن في الستين من عمره ويقطن بمعسكر سكلي بجنوب دارفور، بدا متشائماً حيال برنامج العودة الطوعية، مشيراً إلى انهم ضاقوا ذرعاً بحياة المعسكرات، بيد أنهم لا يجدون خياراً أمامهم غير البقاء فيها، وحينما سألته لماذا؟ أجاب: «نعم حياة المعسكرات قاسية والسنوات العشر التي مضت تجرعنا خلالها كؤوس الذل والهوان، ولكن هي أفضل حالاً من مناطقنا التي نزحنا منها، فهي قد شهدت متغيرات كبيرة، وعندما عاد بعضنا للاستقرار فيها وجد أن معالمها الأساسية تغيرت، وأن هناك من استولى على أراضينا السكنية والزراعية، ولم يجد الذين تشجعوا للعودة الطوعية غير الرجوع الى المعسكرات، لأن الذين سكنوا في قرانا يصعب إخراجهم منها».
يأس واستياء
فى معسكر أبو شوك للنازحين، وهو يقع بالقرب من مدينة الفاشر حاضرة شمال دارفور تتجسد الازمة في وجوه قاطني المعسكر الذين بدا من حديثهم معنا انهم قد اصابهم اليأس من واقعهم، فمعظمهم زهد في الحديث معنا، بل حتى ذلك الشاب الذي يدعى احمد طالبنا باختصار سؤالنا وذلك لأنه يرى أن الحديث لم يعد يجدي نفعاً، وقال: «لا جديد ولا تلوح في الافق بادرة امل، لقد قضيت في هذا المعسكر خمس سنوات وتفاصيل الحياة هي ذاتها، ضنك، معاناة، ولا نعرف ماذا تخبئ لنا الاقدار ولا متي نعود الى قرانا ومناطقنا لنمارس حياتنا بحرية وعزة وكرامة».
تمسك بالأمل
«الغريق يتمسك بالقشة» هذا المثل الشائع يجسد حال النازحين بمعظم المعسكرات بدارفور، والذين يأملون في ان تنتهي الازمة، وطوال السنوات الماضية ظلت افئدتهم تهفو نحو عودة السلام لأرض القرآن، والنازحون يتفاعلون مع المباحثات التي تجريها الحكومة مع الحركات المسلحة ويتابعون اخبارها باهتمام خاصة عبر الاذاعات واشهرها «ردايو دبنقا» و «عافية دارفور» و «سوا» وغيرها، وظل الأمل يحدوهم منذ مفاوضات ابشي الى اتفاقية الدوحة بأن تسفر عن توقف الحرب.
وتقول فاطمة وهي شابة تقطن معسكر عطاش إنهم كما الغريق يتمسكون بقشة المفاوضات التي ظلت تجريها الحكومة مع الحركات علها تنقذهم من يم المعاناة في المعسكرات، وتشير الى انهم في كل مرة يتلقون صفعة قوية وتتبدد آمالهم وتتبخر أحلامهم عقب كل مفاوضات، وتتساءل: «متى ستتفق اطراف الصراع؟ وما ذنبنا نحن حتى نقضي عشر سنوات من عمرنا في معسكرات لا تصلح لسكن الحيوانات ناهيك عن بشر كانوا يعيشون حياة رغدة ومستقرة؟ ولم نعد نحتمل البقاء في المعسكرات».
خوف من المستقبل:
وبحسرة يحكي شيخ ستيني من معسكر دليج المعاناة التي يتكبدونها في توفير الغذاء والكساء والدواء لابنائهم، ويقول حامد إنهم فقدوا الأمل في الحركات المسلحة والحكومة، معتبراً ان اطالة امد الازمة يعني البقاء في المعسكرات، مبدياً تخوفه من هذا المصير. واردف قائلاً: «نحن الذين تقدمت بنا السنوات لا ننتظر وضعاً افضل ولا نتطلع اليه، ولكن نخشى على اجيال نشأت في المعسكرات وانقطعت صلتها باراض آبائهم واجدادهم، وهؤلاء لن يتمكنوا مستقبلاً من التكيف مع حياة القرى والزراعة والرعي، وبالتالي سيتركون مهنة الاجداد، وقال انه يشعر بالأسى والحزن عند رؤية اطفال وهم يذهبون للعمل في المدن، معتبراً أن مكانهم الطبيعي قاعات الدرس وليس الاسواق.
حسرات
وتعود العمدة مريم ابراهيم كاشفة عن افتقادها الاجواء العائلية المترعة بالإلفة والمحبة التي كانوا عليها في قراهم قبل النزوح، مبينة ان الحياة العامة في المخيم مزدحمة جداً ومرهقة، وقالت الناشطة سلمى عبد الرحيم ان الاوضاع داخل المعسكرات في الآونة الاخيرة تسوء، خاصة في السنتين الاخيرتين بعد ان تم تقليل حصة المواد الغذائية.
جحيم
بعد أن أخذت نفساً عميقاً وكسا حزن دفين ملامح وجهها الذي رغم ان الزمن فعل فعلته فيه الا انه مازال يحتفظ بجمال ريفي، اكدت حليمة التي تخطو نحو عتبة الأربعين عاما كما تبدو، انها لن تنسى مشاهد أليمة وقعت في مايو عام 2004م، وقالت وهي تتحدث لنا من داخل معسكر النيم للنازحين الواقع شمال مدينة الضعين، ان ذلك الشهر حمل بين طياته تفاصيل مرعبة وحزينة طوال ايامه، مشيرة إلى وقوع احداث مؤسفة فقدت خلالها اثنين من اخوانها، وذلك بقرية أم ضي التابعة لوحدة كليكلي ابو سلامة الادارية بشرق دارفور، وقالت وهي تكفكف دموعها: «الحرب حولتنا حياتنا الى جحيم، فبعد أن كنا مستقرين ومنتجين اصبحنا نازحين ومتلقين للاعانات»، وتتساءل: «متي يعودون الى ديارهم الاصلية؟ ونخشى ان نظل في هذه المعسكرات لعشر سنوات قادمة».
ابتسامة منقوصة
ونحن نتجول بينهم لم نشعر بغربة لأننا وسط ابناء بلدنا الطيبين الذين اذهب الصراع أمنهم وأمانهم، بل تسلل ساعتها الى دواخلنا حزن عميق وأسى كبير، ورثينا لحالهم، وذلك لأن مذاق مرارة الحرمان من الديار ومآسي التشرد والنزوح بدأت واضحة في وجوههم وان حاولوا اخفاءها عنا بابتسامات تقرأ انها منقوصة ونابعة من دواخل حزينة تشكو مرارات لا حصر لها، وتجولنا داخل معسكر كرندن بالجنينة ووجدنا ترحاباً كبيراً من النازحين الذين اظهروا تجاوباً كبيراً معنا، ورغم البؤس البائن على حياتهم داخل المعسكر الا انهم يؤكدون تمسكهم بالأمل ويتمنون كما اشار لنا رجل خمسيني يدعى عثمان، العودة الى مناطقهم الأصلية، وقال ان حياة المعسكرات لا تطاق، إلا أنه ربط العودة بتوفير الأمن والخدمات بقراهم، وأضاف قائلاً: «عودة بلا أمن وخدمات لا معنى لها وافضل منها البقاء في المعسكر، رغم حياته القاسية والمهينة».
البطالة تؤرقهم
نائب رئيس اللجنة العليا لمعسكر النيم بشرق دارفور محمد ابراهيم دبوك، شكا من استمرار وجودهم بمعسكرات النازحين، وأشار في حديث ل «الصحافة» الى ان النازحين بمعسكر النيم ورغم العلاقات الاجتماعية المتينة التي تجمع بينهم ورغم تكاتفهم، الا انهم ينشدون العودة الى مناطقهم الاصلية حتى يعودوا الى ممارسة انشطتهم الحياتيج التي يجيدونها، مبيناً ان البطالة تعتبر عدو النازح الاول وذلك لضيق فرص العمل، معتبراً ان النازحين ومهما سعت الجهات الخيرية والحكومية لمساعدتهم والتخفيف عنهم فلن يجدوا راحتهم الا في مناطقهم التي نزحوا منها.
مدارس ولكن
زرنا عدداً من مدارس المعسكرات بدارفور، وتبدو متشابهة في كل شيء، فالفصول معظمها مشيد من المواد المحلية وأخرى من الثابتة، وتبدو بصمات المنظمات التطوعية اكثر وضوحاً من لسمات الدولة، و90% من المدراس مختلطة، وتشكو الفصول من الاكتظاظ والزحام، ويفترش التلاميذ الأرض في عدد كبير من المدارس نسبة لعدم وجود وحدات إجلاس، وتعاني هذه المدارس نقصاً حاداً في الكتاب المدرسي والإجلاس والمعلمين، ويستعين مجلس آباء هذه المدارس بمتطوعين لسد النقص في الكادر التعليمي رغم ظروف النازحين المادية، وتقول تلميذة التقيناها بمدرسة المنار بمعسكر النيم وتدعى حواء إنهم في الخريف يعانون الأمرين بسبب تساقط الامطار، وفي الشتاء يصابون بنزلات البرد، وذلك بسبب الفصول القشية المشيدة على رمال تنخفض درجات حرارتها في الشتاء وترتفع في الصيف، وتبدي رغبتها الكبيرة في مواصلة تعليمها، وتقول: «أتمنى أن أصبح طبيبة حتى أعالج أهلي، ولكن استمرارنا في المعسكر امر لا احبذه مثل غيري من النازحين، وعندما يتوفر الأمن بقريتنا سنعود بإذن الله».
فقدان للأرض
ولا تتوقف معاناة القاطنين بالمعسكرات عند تدني الخدمات وبؤس الحال، ففي الخريف تتواصل معاناتهم ولكن هي معاناة من نوع آخر، وتتمثل في اتجاه الكثير من النازحين لقراهم الأصلية لممارسة مهنة الزراعة والاستقرار بها، وبعد عودة بعضهم الطوعية يجدون أن أراضيهم ومشروعاتهم الزراعية استولى عليها آخرون فيعودون مجدداً للمعسكرات.
أزمة مياه الشرب
ومن أكثر المشاهد التي تأثرنا بها زحام النازحين ووقوفهم في صفوف طويلة بمحطات المياه بالمعسكرات، ورغم أن النساء هن الأكثر وجوداً بهذه المحطات إلا أن هناك وجوداً مقدراً للأطفال الذين كنا نشفق على حال بعضهم وهم يحملون «جركانة» المياه واحياناً اثنتين، ويبدو عليهم الحمل ثقيلاً إلا أنهم يفعلون ذلك حتى لو أدى الأمر لتعرضهم لأمراض في الظهر، فالضرورة تفرض عليهم ذلك.
ولادة بدائية
وتشكو النساء في معسكرات النازحين بدارفور من عدم وجود القابلات، وذلك عقب انسحاب عدد من المنظمات التي كانت توفر لهن أجورهن، كما أن الكثير من القابلات غادرن المعسكرات بعد طرد المنظمات، ويشرن الى ان هناك معاناة كبيرة في عمليات الولادة التي كشفن عن انها تجرى بطرق بدائية، موضحات عدم وجود اختصاصيي نساء وتوليد بالمعسكر، وأن هذا الأمر أضر كثيراً بالنساء.
الحرائق تتربص
ويشكو النازحون من اندلاع النيران بصورة مستمرة ودون توقف في منازلهم المشيدة من المواد المحلية «حطب وقش»، وظلت النيران تلتهم اعداداً كبيرة من المنازل والمرافق خاصة المدارس، وهو الأمر الذي يزيد معاناة المواطنين، ويتمنى النازحون القاطنون بالمعسكر أن توفر لهم السلطات عربة إطفاء لإخماد النيران التي تشتعل دون أسباب معروفة.
إلى متى؟
ونحن نهم بمغادرة أحد المعسكرات استوقفنا مشهد طفلتين تجلسان تحت إحدى الأشجار وتلعبان ببراءة بائنة غير عابئتين أو ربما ليستا مدركتين ما يدور حولهما، وذلك لأنهما لم تأتيا كما علمنا من موطنهما الاصلي، فالمعسكر شهد ولادتهمها قبل سبع سنوات، وفضلنا أن نتجاذب معهما أطراف الحديث، بيد أنهما أبدتا زهداً في الحديث ربما ناتج عن الخوف او لأسباب اخرى لا نعرفها، وهنا تدخل شاب يدعى حماد، وقال إن هناك الكثير من الأطفال الذين تمت ولادتهم في المعسكر، وإن بعضهم وصل إلى سن التاسعة ولا يعرف شيئاً عن القرى التي نزحوا منها، إلا أنه كشف عن رغبة كل سكان المعسكر في العودة إلى قراهم، نافياً تهمة تمسك النازحين بالبقاء في المعسكرات، وقال: «النازحون يريدون العودة ولكن ليست هناك جهود حكومية ملموسة تجاه تعمير المناطق التي نزحوا منها التي تفتقد للخدمات والاستقرار الأمني، وأمر العودة يشكل لهم هاجساً نفسياً يؤرق مضاجعهم، ولكن ليس في يدهم شيء».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.