وكأنهم مديونون بالعذاب يدفعون سنين أعمارهم ديناً للحياة، أوكما غنى فنان الشباب الراحل محمود عبد العزيز، تبدو المشابهة هنا تنطبق على حياة ومعيشة أبناء دولة الجنوب الذين ما أن وضعوا رحالهم بعد حرب طويلة انتهت بتوقيع اتفاقية السلام إلا وأن الحرب قد عاودت أوارها بعد سنة من اختيارهم لدولتهم عبر استحقاق الاستفتاء، ولكن صراع الإخوة بين رفقاء الأمس بالحركة الشعبية أشعل أتون الحرب لتحرقهم من جديد ويصبحون تحت نيران العسكريين وأطماع الجنرلات في الدولة الوليدة ليكونوا الفارين من الموت إلى الموت.. حيث الأول ببندقية الأخ وبني الجلدة والثانى عبر التيه في المعسكرات بدول الجوار في كل من كينيا وأثيوبيا وحتى يوغندا التي وضعت أقدامها العسكرية على الأرض لأجندتها الخاصة لكن الأغلبية من مواطني دولة جنوب السودان اختارت اللجوء إلى السودان الأم، حيث رابط الدم والأرض و الوشائج القديمة، فكان الملاذ الآمن لهم بحسب تصريحاتهم ،وبحسب ما جبل عليه الشعب السوداني من إكرام الضيف ونجدة الملهوف آخر لحظة ترصد بالصورة والقلم تطورات الأحداث: رصدت اخر لحظة برفقة المصور الشاب أنس عيسى الزميل ب«ساهرون»، رصدت أوضاع اللاجئين بمعسكر الكليو عشرة بولاية النيل الأبيض على الحدود ما بين الدوليين.. حيث وفد إليها حوالى 8,397 لاجئاً أغلبهم من قبيلة الشلك التي تسكن مقاطعة مانج بحسب ما أفادنا به الأستاذ يونس أجاوين المدير التنفيذي لمقاطعة مانج بولاية أعالى النيل عبر اتصال هاتفي من داخل المعسكر وذاد بأن الأغلبية من الأطفال والنساء وكبار السن، قطعوا المسافات الطويلة منذ اندلاع الحرب مشياً على الأرجل نحو ولاية النيل الأبيض لأنهم يعرفون أنها المنطقة الآمنة الوحيدة بالنسبة لهم من القتل العشوائي الذي بدأ يحصد الجميع دون تمييز.. ويضيف يونس أن أوضاعهم الآن مستقرة تماماً بفضل مساعدات السلطات الحكومية بالولاية وتأمينها الكامل لهم بخيام وغذاءات ودواء تم توزيعها بواسطة الهلال الأحمر السوداني، بالإضافة إلى المنظمات الدولية التي بدأت تتوافد إليهم، وزاد بأن الوضع الصحي مطمئن نسبة لوجود مياه الشرب الصالحة والتي وفرتها حكومة ولاية النيل الأبيض بواسطة تناكر كبيرة تصل يومياً محملة بالمياه النقية رغم أن المعسكر مازال يستقبل يومياً أعداداً من الفارين من القتال الذي لم يتوقف رغم الهدنة. ويشير يونس إلى أن ما حدث لن ينتهي بسرعة وأنه سوف يأخذ فترة زمنية طويلة وأن أثره قاسٍ على الأسر والأطفال والنساء و هنالك جثث مازالت على سطح الأرض، وبيوت نهبت وسرقت وحرقت. ويضيف بأن المرحلة القادمة تتطلب عملاً كثيراً لتسجيل وحصر اللاجئين، وقد كونت لجان لذلك بالتنسيق مع المنظمات المتواجدة لتنظيم عملية توزيع الغذاء و الاحتياجات الأخرى، شاكراً الحكومة السودانية لاستقبالها وكذلك حكومة ولاية النيل الأبيض وتقديمها كل المساعدات الضرورية، قائلاً لا عجب فنحن إخوة رغم الانفصال والسودان هو الملاذ الآمن فعلاً لنا. مأساة انسانية بلسان مواطنة جنوبية: تقول كولي يوقنق، معلمة كانت بالقرب من يونس أجاوين وأصرت على أن ترسل نداءها عبر آخر لحظة بانها نزحت مع أسرتها كغيرها من الأسر وإن زوجها قد قتل أمام عينيها ونجت هي وأطفالها وهاهم الآن لاجئون من جديد بعد أن كانوا مواطنين في دولة حلموا بها طويلاً، وأملهم هو أن يعيشوا بسلام.. ووجهت نداءً للمقاتلين أن يحققوا أحلام شعبهم.. واصفة أوضاعها بالماسأة رغم أنهم أحسن حالاً من غيرهم من النازحين كما قالت. لكنها أشارت بأن هنالك لاجئين لا يحصلون على حصصهم كاملة مثل بقية النازحين، واستدركت أن ليس لديهم خيارات أفضل وأضافت أفكر بقلق شديد إلى متى سنستمر في الوضع الماثل، لكن ليس بأيدينا شيء.. الأطراف المتقاتلة هي التي تقرر بقاءنا هنا من عدمه بإطالة أمد الحرب وعدم وصولهم إلى سلام يجعلنا نبقى هنا لوقت أطول، لذلك أقول لهم يجب أن توقفوا هذه الحرب بأسرع وقت.. خمسون عاماً من الحرب الأولى كافية لتجعلكم تدركون ضرورة البحث عن سبل أخرى للوصول إلى الاستقرار وتحقيق العدالة والطمأنينة. لاجئون في أبيي: وعلى ذات الصعيد ومن جراء المعارك الدائرة بولاية الوحدة وبحر الغزال وبحر العرب، حيث الصراع الكبير على مناطق البترول بين الفريقين من دولة جنوب السودان، وعلى تخوم منطقة أبيي وصل حوالى أربعة آلاف لاجىء جنوبي من سكان تلك المناطق من قبائل دينكا نقوك وغيرها بحسب حديث العمدة يحيى جماع لآخر لحظة عبر اتصال هافتي، أبان فيه أن المسيرية أحسنوا استقبالهم بمناطق المرحال الشرقي جوار منطقة المقدمة والميرم ووفروا لهم الغذاء والكساء من ذرة ومشمعات للإيواء، وتوقع توافد المزيد منهم، طلباً للأمن والسلام مشيرين إلى أن المسيرية لن يمانعوا من ذلك، رغم تغلغل بعض العساكر التابعين للحركة الشعبية وإثراتهم للمشاكل داخل المنطقة، مبييناً أن السودان يظل الملاذ الآمن لأبناء الجنوب مهما كان. وبهذه الصورة والمشهد للاجئي دولة جنوب السودان الذين اختاروا الهجرة شمالاً، فراراً من نيران الحرب تثبت طبيعة الإنسان اختاره إلى حيث استقراره وأمنه ومكانه الذي يعرفه.. وبالمقابل يتساءل العديد من المواطنين السودانيين بالشمال عن أحوال الشماليين بجنوب السودان كما أورد الأستاذ عبد العظيم صالح مدير التحرير في عموده بأخيرة آخر لحظة مطلقاً نداءه بأن «ألحقوا الجلابة»، وهو المصطلح الذي يطلقه الجنوبيون على تجار الشمال بالجنوب، في إشارة منه إلى أن 170 تاجراً في منطقة أدوك تم اختطافهم وأن أخبارهم غير معروفه حتى الآن، متسائلاً أين دور الحكومة تجاه مواطنيها، وهم بين أتون حرب لا تفرق،لغتها الرصاص ولعلعة المدافع فبقدر استقباله للاجئين الجنوبيين على أطراف الحدود، كان ينبغي عليهم التحرك نحو السودانيين العاملين بدولة جنوب السودان لتأمين عودتهم بسلام... فهل تتحرك الخرطوم؟! }}