لاحظت أن هناك احتفاءً بالبرتقال في شمال دارفور، ذلك البرتقال الجميل الكبير حجماً العامر بالماء والثمر اللذيذ، برتقال نرتتي، القادم من عمق جبل مرة.. لا تخلو المائدة خلال الوجبات الثلاث من عدد من البرتقالات برائحتها الذكية ولونه الجميل و(المطمئن) حجماً - وبرتقالة واحدة تكفي- تذكرت أبيات شاعرنا الكبير محمد المكي ابراهيم، وصوت الراحلة الإذاعية ليلى المغربي، والبروف المخرج الفريد صلاح الفاضل، الذي اتذكر ترديده المستمر لأبيات ود المكي (بعض الرحيق أنا والبرتقال أنت).. وتظل رحلتك في شمال دارفور محفوفة (بالبرتقال)، بدلاً عن المخاطر وأنت تبحث في عمقها عن كنه إنسان هذه الأرض، الذي ظل محافظاً على شخصيته وسمته وطبعه وطبيعته، فنعم بالسلام رغم كل المحاولات لجره إلى أتون الحرب والصراعات.. قلت لمرافقي الإذاعي الكبير الأستاذ عبد الرحمن عبد الرسول، والطائرة تضع عجلاتها بنعومة فائقة على أرض مطار الفاشر، يحتاج الكابتن إلى تصفيق مدوٍ .. وصفقت له وحدي.. ولم يكترث أحد من الركاب لذلك الهبوط المدهش.. و يبدو أن الهبوط الآمن أصبح عادة لطيارينا المحترفين.. ضحك عبد الرحمن ضحكته المجلجلة تلك.. وهو يودع الركاب الذين غمروه بلطف يستحقه.. والحديث طوال الرحلة التي استغرقت ساعة وربع الساعة من مطار الخرطوم لم يخرج عن دائرة كرة القدم.. كانت المرة الأولى التي اطأ فيها بقدمي مطار الفاشر،، وبعد استقبال جميل وحميمة دافئة من الأستاذ أحمد محمد الأمين مدير العلاقات الخارجية، والأستاذ كمال خيري من وزارة الشباب والرياضة بالسلطة الاقليمية لدافور وآخرين، توجهنا صوب قصر الضيافة حيث منزل الوالي عثمان كبر،، كانت معنا في الرحلة ذاتها الأستاذة الصحافية هنادي صديق، ومعنا شابان إعلاميان من قناة النيلين، وجدنا في قصر الضيافة سكناً جميلاً مريحاً لم اتوقعه،، ونعمت بنومة مريحة قبل أن تغيب الشمس ويؤذن لصلاة المغرب التي صليناها في جامع السلطان علي دينار،، وكنت قد قابلت مصادفة الأخ العزيز الأستاذ محمد الشنيدي المذيع المعروف.. حيث صلينا المغرب معاً.. والذي يعمل مع فريقه التلفزيوني المميز ليل نهار لكي يقدم شمال دارفور على حقيقتها بعيداً عن الحرب والإرهاب من خلال رؤية تلفزيونية تفسح المجال للخبر والتقرير والحكاية والحوار.. كان بيت السلطان، حيث يعيش الوالي عثمان كبر وحوله ضيوفه في القصر الرئاسي وفي قصر الضيافة، ويمرح في الحدائق الغناءة صقر الجديان وطائر الغرنوق والغزلان، وشهدنا مولد غزالة أشاعت جواً من البهجة بين الحاضرين.. وداخل البيت الكبير متحف السلطان علي دينار رجل وتاريخ لا يمكن تجازوه في دارفور.. ومركز البيت الكبير هو المسجد الصغير في منتصف المكان، حيث تصلى فيه كل الصلوات عدا صلاة الجمعة.. وعندما يؤذن المؤذن لصلاة الصبح تتسارع الخطى من كل مكان داخل البيت الكبير حيث يصلي بالناس إمام عذب الصوت حسن الاداء، عقب الصلاة وبعد السلام وتفقد من غاب عن صلاة الفجر يتجه الحضور نحو مجلس الوالي عثمان كبر تقليد صباحي يومي عمره أكثر من تسع سنوات، في المجلس وعلى الأرض تتسع الحلقة حسب العدد، خلال الأيام الثلاثة التي قضيتها في رحاب البيت الكبير، شهدت هذا المجلس عقب صلاة الصبح ثلاث مرات، وكنت منبهراً به طوال الجلسات الثلاث،، كان الوالي كبر جالساً على الأرض وبجواره ثيرموس كبير ينضح شاياً بالحليب، ويقوم بتعبئة (كبابي) الشاي وتمرر على الجالسين فرداً فرداً.. وكان الشعار المرفوع لا أريد أن أرى كباية فارغة.. عقب الشاي الحليب تمرر كبابي الحليب الساخن ومن بعده القهوة أو الشاي الأحمر لمن يرغب، وبين الشاي الحليب والحليب الساخن توزع اللقيمات على الجميع.. وبين الأكواب واللقيمات يدور الحديث في شتى القضايا، وحيث إن اليوم الأول تزامن مع المباراة النهائية لبطولة كأس رئيس السلطة الاقليمية بدارفور بين فريقي شمال دارفور وغرب دارفور، فقد استحوذت كرة القدم في شمال دارفور على معظم حديث الصباح، وكان الأخ الأستاذ عبد الرحمن عبد الرسول هو الأكثر إلماماً بتاريخ الكرة في شمال دارفور، وعن فريقيها الهلال والمريخ اللذين دخلا حلبة صراع الممتاز، وإن كان الهلال قد جاء منافساً بعد نده التقليدي المريخ في شمال دارفور.. وتوقع عبدالرحمن وكثير من الحضور حظوظاً جيدة للفريقين في المنافسة الحالية وعلى مستوى الولاية، وخاصة أن الفريقين نجحا في ضم عدد من اللاعبين المحترفين إلى صفوفهما، واستأثر نجم المريخ والسودان (العجب)بالكثير من الحديث أيضاً والثناء والفرحة لانضمامه لمريخ الفاشر وعدم توقيعه للهلال، حيث أنه لم يفارق النجمة الحمراء ولم يغير شعاره..! وجاء فوز ولاية شمال دارفور بكأس رئيس السلطة الاقليمية لدارفور الدكتور التجاني السيسي مفرحاً لأهل شمال دارفور وللوالي كبر، الذي يبذل قصارى جهده لكي تتبوأ ولايته مكانة رياضية مرموقة على مستوى السودان.. وقد اجتذبت البطولة التي أقيمت في الفاشر وشاركت فيها 6 فرق ضمت فرق الولايات الخمس، إضافة لفريق النازحين بمعسكر ابوشوك.. جمهور كبير من الولاية المضيفة ومن الولايات الأخرى.. وشهدت تنافساً قوياً بين الفرق الستة.. وشكل فريق النازحين حضوراً متميزاً نال إعجاب الجماهير، وكان الحضور في الإستاذ جيداً والتشجيع حماسياً.. وقد حققت الدورة كل أهدافها الآنية والمستقبلية.