واليوم يا أحباب.. ختام جولات المفاوضات مع الأحبة في المؤتمر الوطني.. اليوم نقدم تلخيصاً صادقاً وشجاعاً وأميناً لمطالبنا التي تتلخص فقط في أن تعود بنا الإنقاذ إلى تلك المحطة التي سعت وأقسمت أن تنقذنا- حسب تقديراتها- من جحيم وعذاب كنا نعيش فيه و«بالدارجة» البسيطة وبالعامية الشعبية نطلب من الأحبة «الإخوان» أن «يرجعونا» إلى الذي كنا فيه.. يعني.. يعودون بنا إلى الخميس 29/ يونيو 1989م.. صحيح أن العودة تعني «خصم» خزانات نهضت إبان حكمهم.. وطرق تسفلتت في أيامهم.. وبترول تفجرت عيونه وآباره بسواعدهم.. ولكن في المقابل نعود إلى عهد ديمقراطي ما عرف شيئاً اسمه التمكين.. نعود إلى خدمة مدنية أشد انضباطاً من أفخر وأفخم ساعة سويسرية صنعتها أنامل أولاد وبنات جبال الألب.. نعود ويعود معنا النقل الميكانيكي.. ويجر خلفه المخازن والمهمات.. وليس بعيداً عنهما الوابورات والنقل النهري.. نعود وتعود هادرة وضاجة وهائلة سكك حديد السودان.. ونرى مرة أخرى «سودانير» تشق فضاء العالم يجملها شعارها ذاك البديع.. نعود وتعود مرة أخرى البحرية السودانية وسفن عملاقة تجوب البحار والمحيطات.. تعود مرة أخرى تلك الابتسامة الوسيمة المرسومة أبداً على وجوه ذاك الشعب المدهش الفريد، والتي حجبتها هموم العيش والكفاح المرير ل«لقمة الكسرة» وإذا عاد كل ذلك حتماً يعود معه ذاك الجزء العزيز والغالي من الوطن الذي كان اسمه فقط «الجنوب» وصار بالأسى كله «دولة الجنوب». قد ينبري أحد الإخوان وهو يزمجر في غضب بعد أن يسمعنا قصائد من النعوت، وبعد أن يوسعنا شتماً وسباباً من نوع «إنك من المخذلين» و«طابور خامس» وعميل لدول الاستكبار واليهود، ومستعرضاً سيرة الجهاد والمجاهدين عائداً بنا إلى «حكمنا شريعة وتاني ما في طريقة لي حكم علماني»، وكيف أنهم قد أقاموا شرع الله.. ولكنه يتجاهل عمداً بعض أناشيد «زمان» و«ما دايرين دقيق فينا قمحنا كتير بكفينا» أقول يتجاهل هذه الأهازيج عمداً لأنه يرى «بعيونه» السفن العملاقة تحمل لنا من براري كندا ومزارع الكفار الفجرة «دقيق فينا» الراسية بميناء بورتسودان.. ولا استبعد أن ينشد آملاً أو حالماً «وحنشيد نحن بلدنا وحنسود العالم أجمع».. وبالمناسبة هذه أمنيات ما زالت تمور وتحتشد في كثير من الصدور. الأحبة في المؤتمر الوطني.. نحن ونقسم بالسماء بلا عمد لا نستهدف إلا مصلحة الوطن.. الذي نخاف عليه حتى من مر النسيم العليل، ولا نرجو إلا حياة كريمة لشعب عظيم وعزيز.. ولا تحركنا مصلحة غير أن يبقى هذا الوطن سليماً مسالماً موحداً.. وطن يسع الجميع.. وطن بالفيهو نتساوى نحلم نقرأ نتداوى.. وطن نحلم بيهو يوماتي.. وطن خيّر ديمقراطي.. وطن شامخ وطن عاتي.. وطن يكون فيه مكان السجن مستشفى.. ومكان الأسر وردية.. ومكان الطلقة عصفورة تحلق فوق نافورة تمازح شفع الروضة.. مرة أخرى نقول.. إذا كنتم تريدون نجاحاً للحوار.. حاوروا هذا الشعب.. لا بالكلمات ولا اللقاءات بل بأن تجعلوا له الحياة أكثر سهولة..