في خطوة لافتة احتشدت قيادات شمال كردفان على شكل غير مألوف، في محفل ضاقت به القاعة الملحقة بمكتب وزير المالية الاتحادية، جاءوا جميعاً تسبقهم آمالهم وأعينهم تشرئب لغدٍ مشرق، ومستقبل زاخر بالطموحات.. تنادت في ذلك اليوم رموز وشخصيات كردفانية أصيلة، كثيراً ما تجمعهم المهام الجسام، والمحطات الفاصلة، جاء مبكراً البروفيسور التاج فضل الله بكل بهائه، والعم رقيق القلب والعبارة حسن سعد الاقتصادي والبرلماني الضليع، وكذلك الشيخ جابر الأنصاري، كما حضر مبكراً الزاكي حمدان أبو البشر، والوزراء الاتحاديون من أبناء كردفان، الدكتور فيصل حسن إبراهيم، عبد الواحد يوسف، الدكتور أزهري التجاني، ومن كردفان الغرة أرض الخير قاد ركب الحضور واليها معتصم ميرغني حسين زاكي الدين، وممثلون للجهازين التنفيذي والتشريعي الولائيين، جميعهم حضروا ليشهدوا لحظة التوقيع على عقد طريق أم درمان، جبرة، بارا، وهو الحلم الذي انتظره أهل كردفان سنين عددا، وما أن يأتيهم مسؤول زائراً إلا ورفعوا في وجهه لافتات المطالبة والمناداة بهذا الطريق، متناسين كل معاناتهم في نقص مياه الشرب، والإجلاس المدرسي، والظلام الذي تعيشه اتجاهات وأنحاء كبيرة بشمال كردفان فرحة هذا الطريق ظللت كل السودان، نظراً لعظم الفائدة التي يحققها في دعم الاقتصاد الوطني، والاستقرار الاجتماعي لعدد من سكان البلاد.كانت الجماهير تهتف(بارا- أم درمان يا علي عثمان، والطريق بفك الضيق يا البشير)، ومذكرة صغيرة يدفع بها الشيخ البكري الشيخ الكباشي إلى الأستاذ علي عثمان تقول:(طريق أم درمان- جبرة الشيخ- بارا)، والمشير البشير في آخر زيارة له إلى كردفان وعد بتنفيذ طريق (أم درمان- بارا)، واليوم أبرّ بوعده لأهل كردفان ووجه بتنفيذه، بعد أن أصبح في الماضي عند أهل الريف الكردفاني مثل سد كجبار عند أهل الولاية الشمالية، ونهر النيل في السابق. حاجات الإنسان في الحياة وضرورياتها لن تكتمل ما بين يوم وليلة، ولو منح ابن آدم حبلاً من ذهب لابتغى الزيادة، غير أننا نقول إن طريق (أم درمان-بارا) سيكون نقطة تحول كبيرة في تاريخ المنطقة الاقتصادي والاجتماعي بإذن الله، وهو فتح جديد للمنطقة التي ظلت تعاني وهي صامدة، وتتوجع وهي صامتة، إنني هنا أشير إلى أهمية المشروع في صورته الكلية، حتى لا يقول البعض إنني أزرع الأمل والرجاء في مشروع لم تبدأ خطوات تنفيذه بعد، لكنني على يقين بأنه سيرى النور ولو طال السفر .طريق (أم درمان- بارا) الذي طوله «341» كيلو متراً، يعبر حوالي مائتي كيلو متر داخل محلية جبرة الشيخ، مما يجعلنا نقول إن له أثراً كبيراً على حياة إنسان هذه المحلية الغنية بالموارد الطبيعية، والتي تمتاز بخصوصية ثروتها الحيوانية الواسعة، وأراضيها الزراعية الخصبة، خاصة تلك التي تقع في شرقها والمتاخمة لولاية الخرطوم، وهي كذلك تقع في زون الحوض النوبي الغني بالمياه، هذه الميزات النسبية وغيرها تمثل في وجود الطريق القاري نقطة مهمة في تنمية وتطوير هذه المنطقة في مجالاتها المختلفة.بدأت الإستثمارات تتدفق على جبرة الشيخ في مجالاتها المختلفة، وبدأ في هذه الأيام تنفيذ (مشروع نادك) للإنتاج الزراعي والحيواني، وهو شركة سعودية قابضة برأس مال حكومي، ومستثمرين سعوديين، وهو ينتج الأعلاف والذرة بأنواعها(رفيعة وشامية)، والخضروات بأنواعها، بجانب تربية وتسمين ما يزيد على ثلاثة عشر ألف رأس بقر حلوب، وثلاثين ألف رأس من الضأن، كما يستوعب ما يزيد عن الألف وستمائة من العمالة المحلية، مثل هذه المشروعات الكبيرة- غير أنها تجذب الإستثمار والسمعة الطيبة للمنطقة- أيضاً هي تعمل على تطوير وتنمية المنطقة، اجتماعياً، واقتصادياً، وثقافياً، حيث يمتد نفعها إلى المستشفيات والمدارس، وبقية جوانب الحياة المختلفة.هذه المنطقة ظهر بها مؤخراً تعدين الذهب في بعض مناطقها، وبدأ التنقيب الأهلي في أرياف حمرة الوز وكمياته المستكشفة حتى الآن تبشر بمستقبل مشرق لهذه المنطقة، وبمثل ما ظل ينادي الأهالي بعبارة(الطريق.. الطريق.. يفك الضيق)، نقول إن هذا الطريق سوف يدعم الأمن والاستقرار في المنطقة والمناطق المجاورة لها، ويدعم البنى التحتية، ويرفع من مستوى دخل الفرد والأسرة، كما أنه يبرز مميزات وخصائص المنطقة عالمياً.جبرة الشيخ تضم نسيجاً اجتماعياً متآلفاً ومتضامناً تعيش داخله قبائل الكبابيش، الهواوير، الجبال البحرية، الزغاوة، البديرية، الجوامعة، الجعليين، الشايقية والفلاتة، كل هؤلاء وآخرين تجمعهم أواصر الأخوة والمصاهرة، ويعيشون في توادد. وفي سياق متصل وليس بعيداً عن الموضوع ودعماً للنسيج الاجتماعي للمنطقة، ولكي تتسق الجهود ما بين المكونات الإجتماعية والإدارة التنفيذية لأجل خدمة المنطقة وإنسانها، تمكنت اللجنة التي ضمت الشيخ عبد الوهاب الحبر خليفة الشيخ الكباشي، والبكري الشيخ الكباشي، والعقيد شرطة حقوقي إبراهيم حمد علي التوم معتمد محلية بارا، تمكنوا من إصلاح ذات البين بين المعتمد الشاب نصر الدين أحمد حميتي، وطه البلة نائبه لشؤون الحزب السياسية، في لقاء نوعي حضره لفيف من رموز وقيادات المنطقة السياسية، والدينية، والإجتماعية، تمكنوا من نزع فتيل الأزمة التي نشبت مؤخراً ما بين المعتمد وود البلة، وبحمد الله لم تستفحل وحسمت في مهدها، بفضل حكمة وجهود رجال الإصلاح ممثلين في رمزية الشيخ عبد الوهاب الحبر، الرجل الذي يحمل في قلبه حب الخير للجميع.الكل في ذلك اللقاء كان يتوق إلى فضاء أوسع من التسامح، والإلفة، والمودة، كما أن للمعتمد إبراهيم حمد مسيرة معلومة بالحكمة، فلا غرو في ذلك، فهو سليل بيت حكمة، ويكفيه أنه ابن الناظر(ود التوم)، ومن خلفيته هذه قاد مع آخرين الحوار التوفيقي حتى بلغ النجاح، وبقي أن نقول إن كردفان كلها أرض تسامح ومحبة، وهي تشكر عميقاً سعادة المشير البشير على ما برها به من خير ومشروعات خدمية كبيرة، أبرزها مشروع كهرباء الفولة، وجامعات كردفان، وكادقلي، وغرب كردفان، والسلام، وطريق الإنقاذ الغربي، ومستشفيات المجلد، والنهود، التخصصية.. وأخيراً وليس آخراً طريق أم درمان، جبرة الشيخ، بارا.