مشهد الزعيم الأزهرى بمظهره الوقور وبدلته البيضاء، وهو يبدو فخوراً برفعه لعلم البلاد عالياً خفاقاً إعلاناً لاستقلال السودان، بينما يصدح صوت المذيع الناقل للحدث وهو فرحٌ في مشهد وطني تلاحمت فيه الجماهير، وظهرت فيه الفنانة الراحلة حواء الطقطاقة وهي ترتدي ثوباً مكوناً من ألوان علم السودان، بينما اصطف المواطنون في لحظة تاريخية وثقت لها عين الكاميرا.. كانت كل هذه المشاهد في الفيلم التوثيقي الذي ابتدر به الاحتفال بذكرى مئوية عرض أول فيلم سينمائي بالسودان، والذي أقيم بمدينة الأبيض ويبدو المخرج الشاب الطيب صديق سعيداً بعرض بانوراما تاريخ السينما السودانية التي أعدتها كل المجموعة المشاركة في الفاعلية لتعكس تاريخ السينما السودانية بأفلامها الأبيض والأسود، وتفاصيل رحلتها من أفلام توثيقية عن أحداث كثيرة منها الحكومي ومنها الجماهيرية ومنها أفلام لمخرجين كبار تناولت الحياة الاجتماعية. الأبيض تحتفي بالسينما بالاحتفال بمرور مائة عام على عرض أول فيلم سينمائي بالسودان بمدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان من قبل المجلس الأعلى للثقافة والآداب والفنون بوزارة الثقافة الاتحادية، وبمشاركة اتحاد السينمائيين السودانيين، وجماعة الفيلم السوداني، ومجموعة سودان فيلم فاكتوري والمركز البريطاني وbic.tv تعود الحياة من جديد للفن السابع، وتضخ في جسده دماء شابة مدعمة بالخبرات القديمة الراسخة في بدايات جادة بالعودة للسينما في السودان، وهي الضاربة في التاريخ، خاصة وأن الاحتفال يعبر بها الى المئوية من السنين في قراءة لحصاد طويل كان ثراً وكبيراً وغنياً- بحسب ما أفاد به الأساتذة الخبراء والاختصاصيين والمخرجين والمنتجين في مجال السينما السودانية بمختلف خبراتهم، مستصحبين الأجيال الشابة في عملية تواصل الأجيال، رافعين شعار (السينما ضل ما بندفن وعطاء متجدد وتاريخ عريق).. مولانا أحمد هارون والي ولاية شمال كردفان قال إن السينما تمثل ركيزة ثقافية تساهم في بث رسالة التنمية الزراعية والصناعية والاجتماعية وقبلها الثقافية، وهي أداة ينبغي استخدمها للمساهمة في نهضة كردفان لتصل الى الأرياف عبر السينما الإرشادية المتجولة، بينما أكد الطيب حسن بدوي وزير الثقافة اهتمام وزارته بالسينما وأهميتها في التثقيف الجماعي، وإرشاد المجتمع وتفعيل دور الثقافة والاستفادة من المبدعين لاخراج ما يتميز به السودان من إرث تاريخي من المهم أن يوثق وينشر عبر كافة الوسائل الإعلامية ومنها السينما.. وفي سرد تاريخي أفصح خالد الشيخ الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة والآداب والفنون بالأبيض عن تاريخ الثقافة والفن ودوره في رفد المجتمع، مبيناً مساهمة الأهالي في ذلك، وفي السياق قال الأستاذ عبادي محجوب المخرج المعروف أن الاحتفاء بمرور مائة عام على عرض أول فيلم سينمائي بمدينة الأبيض هو احتفاء بالسينما السودانية وبمكانة الأبيض الثقافية، واقترح بأن يكون الهنقر الجنوبي مكان أول عرض أن يؤسس كسينما، ويتم إعدادها لتكون إضافة لدور العرض بالأبيض تخليداً لتاريخها وذكراها كأول دار تم فيها عرض فيلم سينمائي.. داعياً الدولة لمزيد من الاهتمام بالسينما كصناعة لها عائدها الاقتصادي، وكفن يحمل واجهة السودان الثقافية ويوثق لها ويرفدها بالإبداع الملهم للأجيال القادمة.. (السينما ضل ما بندفن).. لغة السينما البصرية والسمعية تحملنا على أجنحة الخيال والواقع، لنتعرف على حيوات الناس وطرائق تفكيرهم وثقافتهم عبر الأفلام الروائية والوثائقية وهي تغوص في أعماقهم لتقدم لنا صوراً وحركة ومعاني، يستنبط منها فهماً واستنارة بمقدار الفكرة والمضمون، والتاريخ يقول- بحسب حديث الأستاذ الطيب مهدي لآخر لحظة إن المصورين الذين انتشروا في العالم بعد اختراع السينما في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين قد وصلوا لشمال السودان، وصوروا بعض المشاهد هناك والجمهور السوداني تعرف لأول مرة على فن السينما في العام 1912م، حين تم عرض أول شريط سينمائي يصور زيارة الملك جورج الخامس لمدينة بورتسودان في طريق عودته من الهند الى بريطانيا، ومقابلته لبعض أعيان ومشائخ السودان وتم عرض هذا الفيلم في مدينة الأبيض بمناسبة افتتاح خط السكة الحديد فيها، مما حفز ولاية شمال كردفان ووزارة الثقافة بالاحتفال بمرور مائة عام على هذه الذكرى التاريخية إرساء للفن السابع الضل الذي لا يندفن. الهنقر الجنوبي أول دار عرض بهيكله الزنكي الممتد على زوايا الحديد الشامخ مازال موجوداً بمحطة السكة الحديد الأبيض.. ويبدو بلونه الرمادي كطائر الفينيق لا يندفن تحت رماد السنين، وهو يحكى قصة سكة حديد، وقصة سينما، وتاريخ ثقافة سودانية ارتبط بالتوثيق هو الهنقر الجنوبي مخزن السكة الحديد التليد، كما في كل محطات السودان يستخدم للبضائع غير أنه تميز عن أشباه بأنه احتفى فيه بعرض أول فيلم سينمائي بالسودان، وبعد مرور ذكرى تلك الأيام بعد مائة عام ها هو يعود مرة أخرى في مقترح بأن يكون أول سينما للهناجر في السودان، بحيث يتم تأهلية كدور عرض سينمائي لينافس سينما عروس الرمال.. واختتم الاحتفال بحفل ثقافي فني كبير بميدان الأبيض للاحتفالات قُدمت فيه عروض سينمائية بانورامية، وفقرات غنائية غنى فيها فنان الشباب وليد زاكي الدين، فألهب حماس الجمهور لتؤكد وزارة الثقافة بأن دورها الصحيح تجاه المجتمع هو الاحتفاء بالفنون كلها، وتقديمها بواسطة خبرائها لتكون الرسالة قوية وواضحة، لاثراء المجتمع وحفظ عاداته وتقاليده، وذلك بمنحها الفرصة الكاملة للعرض والاستفادة من تلك الفرص وأن يكون ذلك برعاية المسؤولين وأعلى السلطات في أية ولاية لمنحها الصبغة الرسمية بجانب صبغتها الإبداعية التي هي من أولويات المبدعين.