[email protected] رغم التغييب الكامل لثقافة السينما وإغلاق دورها وحجر عروضها إلا من بعض الدور التي تعد بأصابع اليد الواحدة والتي نراها بالكاد تجتر ماض قديم بأفلام هندية أو أخرى تجاوزها الزمن، تتماسك وتقاوم جماعة الفيلم السوداني وتقدم عروضاً وندوات راتبة في دارها بحي الملازمين بأم درمان لأعضائها وعشاق هذا الفن الرفيع، ولا تكل ولا تمل عن السعي لاستعادة مجد السينما كواحدة من أضلع الثقافة التي اعتاد عليها الناس ردحاً من الزمن0 ولكن يبقى السؤال عن طريقة وكيفية تغذية شرايين السينما العطشى وبعث الروح في جسدها المسجى إزاء عقبات الحجر والإهمال0 وفي الأسبوع الماضي أقامت جماعة الفيلم السوداني احتفالية بمئوية المشاهدة السينمائية في السودان باعتبار أن أول عرض سينمائي بدأ قبل مائة عام بمدينة الأبيض لصفوة من المسئولين والأعيان بحضور اللورد كتشنر بمناسبة افتتاح خط السكة الحديد بين الخرطوم والأبيض بفيلم أخباري تسجيلي عن زيارة الملك جورج الخامس لبورتسودان، وتنقلت مظاهر احتفال جماعة الفيلم بين قاعة الشارقة ومنتدى أنا أم درمان ودار الدراميين بأم درمان ودار التشكيليين بالخرطوم وبيت الفنون بالخرطوم بحري ومركز عبد الكريم ميرغني ، كما بعثت جماعة الفيلم السوداني بعض أعضائها للأبيض لإقامة ندوات وعروض سينمائية لأفلام سودانية قصيرة وسافر البعض الآخر إلى ذات الهدف لمدينة عطبرة بحسبانها المدينة التي أنتجت أول فيلم سوداني وهو آمال وأحلام0 وفي كل اللقاءات كان الحديث يدور حول المادة المشاهدة وتقييمها مع مستقبل السينما السودانية كرافد ثقافي تأخر كثيراً عن الظهور رغم توفر المعينات الفنية وكوادر التمثيل والخريجين المتخصصين في الإخراج الذين يمكن أن يسهموا في هذا المجال الذي يتردد الاستثمار عن اقتحامه ربما لضيق أفق الاستثماريين ونظرتهم الربحية وربما لما آل إليه الحال من تغييب لدور العرض حتى إذا وجد من يقتحم هذا المجال0 وعودا إلى دور العروض السينمائية العامة لعل الذين يمرون أمام أغلب دور السينما بالعاصمة يلاحظون أنها لم تعد سوى مبان خيم على جدرانها الصمت، هذا إذا سلمت من الدمار الداخلي وتلف معداتها0 ويبدو أن تعطيل دور السينما المسائية خضع في البداية لضوابط حظر التجوال ثم تعمق للنظر في مضامين العروض وتعارض بعضها مع المد الفكري الموجه الذي أعمل منظار التحريم والتحليل إلى أن صارت نسياً منسياً مع إن ما يقدم حالياً عبر التلفاز من أفلام ومسلسلات في القنوات يدخل حتى غرف نومنا دون رقيب، غير أن البون يبقى شاسعاً بين ما يشاهده المرء في داره وبين ما يتم عرضه في دور السينما0 فقد كان دخول السينما في حد ذاته متعة ومكاناً للتثقيف والترفيه وكان مجالاً لتلاقي الكثير من وجوه المجتمع بمختلف طبقاتهم ومستويات وعيهم الثقافي0 ولذا فقد لعبت العروض دوراً في نشر ثقافة الأمم وكيفية معالجاتها لقضايا الشعوب وهموم الإنسانية، ونتيجة لقدرة السينما على الإيصال كانت لدينا وحدة للأفلام تابعة لوزارة الاستعلامات تقوم بنشر التوعية عبر السينما في القرى والمدن النائية بعربات السينما المتجولة بدءاً بالأفلام التسجيلية الصامتة التي يفك طلاسمها المعلق السينمائي مروراً بالإخبارية والروائية والعلمية0 ومع أن الحاجة ليست ضرورية الآن لتلك العربات مع تطور وسائل الاتصال إلا أن ذلك لا يعني تغييب دور العرض السينمائي، ففي بداية ظهور العروض السينمائية كانت تردنا مختلف أنماط الأفلام عبر مؤسسة السينما التي تخضع بعض الأفلام لعين الرقيب أو مقصه ومع ذلك لم يصل الحال إلى ما عليه الآن من ركود تام0 نأمل أن تنجح احتفالية المئوية في تحريك ساكن المياه واستعادة دور العروض لمجدها0