كان المساء كمهر جموح يركض على صفحة الغيم، أذكر قبلها بيومين هاتفني صاحبي الطبيب المرموق، جاءني صوته هذه المرة على غير العادة مشرقا وطازجا مثل نخلة على الضفة، ولأن عيوني بحاجة إلى طبيب شاطر لم تلتقط عيوني أن الرقم المتصل منه ليس من السودان وإنما من جدة، عندها ضحكت حتى كادت أضلاعي أن تتكسر من وطأة الضحكة العشوائية، المهم صاحبي الدكتور قال بعضمة لسانه أنه هرب بجلده من العكننكة في السودان، ضربنا موعدا لكي نلتقي بعد زحمة العمل وحضرت قبله في المكان المحدد، الرجل اعتذر كثيرا لانه وصل بعد الموعد بنحو ساعة، وزاد في حديثه بعد السلام والترحاب والذي منه أن مسألة التأخير عادة سودانية بحته ،سألته ونحن نتناول طعام العشاء برقفة أصدقاء آخرين عن سبب هروبه من الوطن ، الرجل انجعص وهرش دماغة وقال بالحرف الواحد أن كل شيء خلف البحر يجيب الضغط والسكري والذي منه، وأنه فكر كثيرا قبل رحلة الإغتراب، فوجد أن مواصلته في العمل ضمن منظومة وزارة الصحة ستحوله بمرور السنوات إلى مجرد « همبول» كبير لا يودي ولا يجيب وربما يصبح في حاجة إلى إخصائي غدد صماء لعلاجه من المرض الحلو حليكم أقصد السكري، عموما بارك الجمع لصاحبنا هروبه من العكننة الصحية التي يمكن أن تكرس السكري في جسم الإنسان، على فكرة بعد يومين فقط من لقاء صاحبي الطبيب أعلن كادر ضخم ومسؤول في وزارة الصحة الإتحادية بالحرف الواحد وبعضمة لسانه « أن الجاهلين والمغرضين والمخذلين يروجون لقصور الخدمات الصحية « يووووووووووووووووووووه كده حته واحدة الجاهلون والمخذلون، طيب كلام حلو ، مش زي المرض الحلو هل يمكن للمسؤول الضخم الهمام وضع الكرة على طاولة المجتمع السوداني برمته ويحدثنا عن أسباب هروب الكوادر الطبية إلى الخارج، وهل يمكن أن يضع النقاط فوق الحروف عن قصور المختبرات والمشافي السودانية، وهل يمكن أن يبلغنا بصورة عاجلة عن أسباب سفر المواطن السوداني المقتدر للعلاج في الخارج وهل يمكن أن يعطينا فكرة عن كيفية تحمل الغلابا المسحوقين المصابين بالاورام الخبيثة كلفة علاج لا يقدرون عليها، هذه أسئلة بجاحة إلى غرفة عناية فائقة، أسئلة أطرحها على لسان المواطن السوداني الغلبان لعل وعسي يمكن ان تجد سريرا شاغرا في مستشفى بالخرطوم عموم يا عنيا ، المهم إذا كان صاحبي الطبيب المرموق هرب بجلده من العكننة في المطلق في السودان، أقطع لساني من لغاليغو لو لم تكن هناك قوائم طويلة من الكوادر الطبية رجال ونساء يفكرون في الهروب كما فعل صاحبي ، على فكرة والفكرة تجيب الفكرة يقال أن الجلوس لساعات طويلة امام شاشة التلفزيون من أسباب الأصابة بالسكري بنوعيه الأول والثاني، هذه المعلومة أعلن عنها باحثون أمريكان، طيب كدي اللي أقول ليكم بصراحة عدييييل كده أرجو من وزارة الصحة الإتحادية وشقيقاتها في الولايات عدم توجية الإتهام جزافا لخلق الله وأن يعمل منسوبيها لصالح المواطن الغلبان، لأن الجلسة والإنجعاص يمكن ان تسبب المرض الحلو قال جاهلون .. قال ههههههههههههههههههه .