رأي: صلاح محمد عبد الدائم (شكوكو) نعاني في السودان من الدراما أيما معاناة.. بل أن الكثيرين منا يصفون درامتنا بأنها (عوارة) والعَوَرُ معناه لغة ذهابُ حسن إِحدى العينين، ومن معانيه العيب والرديء من كل شيء، وجمعه (عواوير)، فقد حبانا الله في السودان، بجوقة من العواوير، الذين لا يفقهون أسس التمثيل فمثلوا بنا أسوأ تمثيل. ذلك أن فن التمثيل فن راقٍ، لأنه حالة من التشخيص والتجسيد لإحدى الشخصيات الخيالية أو الواقعية، أو قد تكون من بنات فكر المؤلف، ويبقى دورالممثل فيها هو الارتقاء بالنص، الى مرحلة الإبداع، لأنه يمثل واجهة العمل، من خلال تحريك طاقاته الإبداعية، لذا فإن ضعف الممثل يؤدي الى إفساد العمل كله. لكن أزمة الدراما عندنا، أزمة متأصلة حار دليلها، فقد ثبت يقيناً أننا لا نجيد إلا الكوميديا القصيرة جداً والموجهة، ونضرب على ذلك مثالاً بفواصل الانتخابات الماضية (ياخلف الله عذبتنا)، خاصة وأن الأخ جمال حسن سعيد، واحد من القلة التي تحمل إشراقاً. بينما الآخرون قد عذبونا بهذه الأدوار الباهته في كل شيء، بدءاً من الحوار وإنتهاءاً بالديكور والمؤثرات وطريقة ضبط الصوت والمكياج، وكل أدوات الأداء الدرامي، ولا نكاد بينهم نفهم حتى الحوار، من شدة تداخله تارة، ومن شدة الإنفعالات التي تكون فيه دون وجود منطق لها. وبنظرة موضوعية للدراما، يمكننا أن نشخص الحالة بشيء من العمق، الذي ربما يقودنا الى فهم واستدراك ما نحن فيه من تخلف، إذ ليس عيباً أن نعترف بأننا بعيدين أو متخلفون في مجال ما، لأن هذا الإعتراف يحدد الدرجة التي نحن فيها، لنخطط للمرحلة القادمة.. مع ملاحظة أنها تشبه الرياضة في كثير من الأوجه التكنيكية والتكتيكية وربما في العلة.وهذا الرأي الذي نبديه ليس تشفياً أو تجنياً على الدراما، لكنها درجة من الحرص على أن نرى شكلاً من أشكال الدراما السودانية التي تشرفنا في المقام الأول، وتعرّف الآخرين بنا، لأننا مدركون لأهميتها كمنتوج ثقافي واع .لكننا في ذات الأوان لن نقف مكتوفي الأيدي نتفرّج على هذا العبث، دون أن نقول رأينا فيها، وصحيح أننا لا نحتكر الحقيقة ولا نقول أن رأينا هو الأصوب، لكننا نشير الى مكامن الداء، وعلى المختصين تحليل مانقول بمنظار علمي، فلربما نكون أكثر فائدة للدراما من أهلها الساكنين بالصمت. ذلك ان إعتماد الممثل على الإيحاءات والحركات من الأهمية بمكان، لكي يبقى واعياً ومسيطراً على صوته وحركته ووجهه ويديه، كما يجب عليه الإعتماد على القوة الأدائية الفنية العالية، للوصول الى الهدف المنشود عبر التجسيد لكل شئ يقدم على ساحة العرض. إذ لابد للممثل من درجة من الحذاقة العالية في الاداء، كي تظهر ابداعاته وطاقاتة الظاهرة والخفية، لأن الاداء يعتمد على المعطيات الانفعالية للممثل، وعدم الإلمام بهذه المهارات سيجعل التمثيل نوعاً من التهريج والفوضى. كما لابد للممثل من أن يعرف كيف يؤدي دوره، وكيف يكون خلاقاً ومبدعاً بأن يخلق حالة من(الضحك في الحزن ثم حالة من الحزن في أعماق الفرح) بالإضافة الى مقدرته على العودة الى حالة(التوازن والسكون)، وهنا يمارس الممثل المبدع تأثيراته على المتفرج، بأن يتحرك بشكل سهل متقن، وبالتالي يعكس مضمون النص بشكل دقيق، مع الأخذ في الحسبان أن الحركة العشوائية أو الكثيرة منها قد تجعل العمل مهزوزاً ومهزوماً.كما لابد أن يكون الممثل متيقظاً ومترعاً بالنشاط والحيوية.. مسترخٍ وغير متشنج.. يفكر بطريقة تجعل المتفرج مبهوراً به لا مشفقاً عليه.. يمدد علاقته وصلاته غير المباشرة مع الجمهور، من خلال التعاطي الفني، ثم في ذات الوقت يحترم الزملاء الممثلين، من خلال التعامل معهم بصدق ومحبة، ليكونوا له مصدراً مهما ومسانداً في عملية تقديم العرض. الممثل الجيد هو الذي يقدم فنه بعقل مفتوح، متكيف مع الأحداث ولا يتكلف فيها، ويجب أن يتمتع بمستويات عديدة من المشاعر أثناء اللحظة الواحدة، دون أن تأسره الشخصية والدور.. كما يجب عليه أن يكون في عملية تركيز مستمرة، كما يجب أن تكون له المقدرة على الانتقال في لحظات متعددة بين الكلمات والأفعال والمشاعر والأحاسيس، ولابد أن يسيطر على جسمه وحركاته وصوته دون أن يكون هناك قدر من الضوضاء والتهريج .كما عليه أن يحاول السيطرة التامة على المتفرج، من خلال تقديمه أداءً مميزاً مقنعاً يجعل المشاهد متابعاً ومندمجاً دون شرود، ولابد أن يتميز أداؤه بالمهارة والذكاء، وأن يحترم عقلية المتلقي بتقديم أدوار منطقية وحيل تخاطب العقل.إن عملية تدريب الممثلين على اللياقة العقلية والبدنية والنفسية تهدف الى إعدادهم لأداء أدوارهم بطريقة علمية وفنية، تعتمد على الإعداد الأولي والإعداد الثانوي والإعداد النهائي، مع إتقان القراءة الصوتية، وتحسين النطق والقراءة الحركية والارتجال واستجماع الأحداث الدرامية، وتحديد أهدافها والظروف المحيطة بها والالتجاء إلى الذاكرة الذاتية، والتسلح بالمؤثرات العاطفية والوجدانية لمعايشة الدور.كما لابد له من أن يتعرف على الشخصية التي يحاول أن يقوم بها، ويجب أن يعرف أين تكمن قوة وضعف الشخصية والظروف المحيطة، ويجب أن يكون قادراً على الإستفادة من تجاربه الماضية، من خلال إستصحاب تجاربه الحياتية، والارتقاء بها على مستوى الحدث، وأن يستلهم منها ما يؤثر على المتفرج. وبمثلما أن لأهل الكرة عثرتهم.. وضعف لياقتهم.. وضعف إعدادهم العام والخاص.. وضعف حضورهم وضعف الذهنية الأدائية.. فإن لأهل التمثيل ذات النواقص وذات العور الذي يعتري غيرهم.. لكن المطلوب أن نعترف أولاً، لأن الإعتراف يعرفنا على مواطيء أقدامنا لتسهل عملية المعالجة. ملء السنابل تنحني بتواضع... والفارغات رؤوسهن شوامخ.