عندما عدت من الغربة قبل أعوام وجدت في السوق «كاسيت» يحمل اسم «تبتبات» به أغنيات للأولاد والبنات.. كان يطربني قبل محمد وأتعلم منه أجمل مقاطع «محجوب شريف» (أحمد جا - أحمد جا فالح ربنا إخلي ومن شر الكضب نجا).. إنها قمة العطاء وفن الجمع بين الإبداع والقيم التربوية العالية!! هذه الأيام تمر ذكرى انتفاضة «6 أبريل».. في تلك الأيام طاردناه في المنتديات وأروقة الجامعات وهو يغني للوطن وللثورة ولصوت الجماهير و«وردي» يرسل كلماته ألحاناً شجية: «حنبنيهو.. البنحلم بيهو يوماتي.. وطن حدادي مدادي.. ما بنبنيهو فرادي.. ولا بالضجة في الوادي.. ولا الخطب الحماسية. وطن بالبفيهو نتساوي.. نحلم.. نقرا.. نتداوى.. مساكن كهربا وموية.. تحتنا الظلمة تتهاوى» هذه الأمنيات لم تكن على الورق وإنما جسدها «محجوب» قولاً وعقلاً فظل ملتصقاً بجانب الشعب، فعاش ذات حياة البساطة وانخرط في العمل الطوعي والإنساني فانتقل من حالة «الكلام» إلى خانة «الفعل»!! بكى الناس معه يا والدة يا مريم وهو في السجن.. جيل الثمانينات حفظ هذه القصائد وتسابق الجميع للمكتبات للديوان الذي حمل اسم «مريم» والدة الشاعر!! كانت الكلمات «معبرة» و«صادقة» وهي تحمل أشواقه في النضال و الحرية.. ويبث أمه أشجانه وعذاباته وهو بين الغياهب والسجون.. «يا والدة يا مريم.. يا عامرة حنيه.. أنا عندي زيك كم.. يا طيبة النيه.. بشتاق وما بندم.. اتصبري شوية.. يا والدة يا مريم.. ماني الوليد العاق.. لا خنت لا سراق.. والعسكري الفراق.. بين قلبك الساساق. وبيني هو البندم.. والدايرو ما بنتم.. يا والدة يا مريم». في تلك الأيام بكينا وبعدها طربنا وفرحنا.. ووردي يردد: يا شعباً لهبت ثوريتك.. أنت تلقى مرادك والفي نيتك.. وعمق إحساسك بي حريتك.. يبقى ملامح في ذريتك». لقد استحق «محجوب شريف» لقب «شاعر الشعب».. أليس هو القائل للشعب السوداني: ماك هوين سهل قيادك.. سيد نفسك مين أسيادك.. ديل أولادك وديل أمجادك.. ونيلك هيلك جرى قدامك.. تحت أقدامك.. رجع صداك وسجع نحاسك.. إنت نسيم الفدا هندامك.. وإنت نشيد الصبح كلامك وعطر أنفاسك». في أيام «الانفصال» السوداء بكى محجوب شريف حال البلد «الانشطر» شبه الجنوبيين بأشجار سامقة لها ثمر ««مرت الأشجار.. كالخيال أحلام.. ناس لطاف وظراف ما بين غزال وزراف.. ما بين ظلال وغمام.. مرت الأشجار». أمس احتشدت الخرطوم بالبكاء وسارت المواكب حزينة في أم درمان. الجموع تعزي بعضها فالفقد واحد!! سار النعش «الحزين« وسط الزحام. أمس مرت «شجرة» باسقة كانت حلوة الثمار.. والمذاق.. اسمها محجوب شريف شجرة الشعب!!