لم يدر بخلد أولئك الذين بنوا الوطن وأسسوا بنيته التحتية قبل عشرات السنين، وأقاموا في عطبرة صرحاً صحياً شامخاً لم يدر بخلد أي منهم أنه سيأتي اليوم الذي يموت فيه الناس داخل المستشفى بسبب الانتظار وقلة المعينات.. وضعف الإهتمام.. قبل أيام أصيب شباب من أبناء (الباوقة- الجول)، وهم من أنضر شباب ولاية نهر النيل في حادث مرور، وهم يبحثون عن مستقبلهم في أماكن تنقيب الذهب الذي أهلك شباباً غضاًَ دفعهم اليأس وانقطاع الأمل في وظيفة أو عمل شريف وضيق ذات اليد لهذه المغامرة.. نُقل الشباب إلى مستشفى عطبرة ومنهم أثنان في وضع صحي حرج.. ولما كان المستشفى غير مؤهل لاسعاف المصابين كان القرار بتحويلهم إلى مستشفى الخرطوم، ولكن يبدو أن التحويل نفسه (صعب جداً).. فقد بقي المريضان أكثر من (4) ساعات في انتظار عربة الإسعاف- مع ملاحظة سوء الحالة الصحية لهذين الشابين.. في كل العالم ومنذ القرن الماضي مثل هذه الحالات تنقل بطائرات الدولة العمودية، وما زلنا نبحث نحن عن سيارة إسعاف لنقل مريض في حالة خطرة يصارع البقاء ما بين الموت والحياة.. وذويهما لا يملكون سوى البكاء والنحيب... فبالله عليكم تخيلوا مثل هذه الحالة.. وكم من بشر ماتوا من قلة الإمكانات وعدم الاهتمام.. ماذا تفعل ولاية نهر النيل وأعرق مستشفياتها يحتضر؟.. كل أهل الولاية أو جلهم يتساءلون عن المليارات الثمانية التي تدخل شهرياً إلى خزينة الولاية مخصصة للتنمية، ومن ضمن الإيرادات التي تدخل الخزينة جزء من عائدات الذهب الذي أصيب فيه هؤلاء الشباب (ضريبة تؤخذ منهم) والآن يدفعون عمرهم آخر ضريبة.. مع العلم أن مستشفى عطبرة يقصده كل أهل الولاية بأريافها.. هل هناك تنمية سعادة الوالي الهادي عبد الله أكثر من صحة الإنسان في الولاية أوليست كل مناهج التعليم قد علمتنا وغرست فينا إن الإنسان أصل التنمية ورأسها. إن العشرات يا سعادة الوالي يغادرون الولاية يومياً للبحث عن العلاج في العاصمة.. التي ضاقت مستشفياتها بما رحبت.. في الخاطر إن سيدنا عمر رضي الله عنه كان يبكي الليالي خوفاً من أن يسأله الله (عن بقرة عثرت في أرض العراق).. وأنتم... كم إمرأة عثرت وكم من رجل عثر وكم.. وكم.. ولم تحركوا ساكناً.. نحن لا نرجو بكاءً في هذا الزمن القاسي أهله، ولكن نرجو أن نكفكف دموعاً غالية تسيل ليل نهار من رعيتك، دموع لو أعقبها دعاء لكان للنهار لون آخر.. فاتقوا دعوة المظلوم التي ليس بينها وبين الله حجاب.. رسالة أخيرة إلى كل أهل ولايتنا الميسورين.. ضعوا أيديكم في أيدي بعض، وقدموا لحياتكم الآخرة بإصلاح وتأهيل الصحة في الولاية، وإنقاذ أرواح الشباب الذين نرجو بهم إصلاح الأمة، ولتمسحوا دموعاً طال هطولها من أمهاتكم وأخواتكم وبناتكم، وهم يرون أعز الناس يرحلون من أمام عيونهم لقلة الزاد وطول الطريق إلى الشفاء..