لا أدري من هو مبتكر فكرة تحويل حوادث مستشفى الخرطوم من قلب المستشفى إلى بشائر والمستشفى التركي. وأين كان المبتكر الذي أراد تخفيف الضغط على وسط الخرطوم فإنه أغفل ضرورة توفير كل المعينات للمستشفى التركي الذي سعدنا بافتتاح مبانيه الرائعة قريبًا جداً. وفي هذا المستشفى ظل مرافقو الحاجة آمنة يبحثون عن نقالة لإسعافها بعد أن أصيبت بكسر في رجلها أمس الأول. فلم يتوصل أهلها لتلك النقالة «الغالية» جداً في زمن «التنظير العشوائي». وانتهت تلك المعضلة «بتصرف» من أهل المريضة ليواجهوا مشكلة أخرى وهي عدم وجود طبيب لفحص حالتها. تخيلوا معي قسم للحالات الطارئة «حوادث يعني» لا توجد به نقالة لحمل المرضى ولا طبيب يداوي. «ربنا يلزمنا ويلزمكم الصبر». إن حالة مستشفيات الخرطوم تحتاج للكثير من المراجعة أما المستشفيات الولائية فحالها يحتاج لمستشفيات أخرى وليس مراجعة. حينما نتحدث عن الخرطوم فذلك باعتبارها أصغر ولايات السودان وأكثرها مالاً واهتمامًا، فالتقصير فيها يشير إلى حال بقية الولايات القريبة منها والبعيدة. ونصرخ في آذان المسؤولين عن الصحة بأن يعطوا هذه الخدمة الكثير من الاهتمام من أجل البسطاء الذين لا يملكون المال للمستشفيات الفندقية ولا تذاكر الخارجية. الخرطوم مليئة بالفقراء ومحدودي الدخل ولا سبيل لهم لتلقي الخدمة العلاجية إلا عبر المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية، وهم يقدمون لهذه المرافق ودعوات الأهل معهم حتى لا يقعوا للأخطاء الطبية والندرة الدوائية والفحوصات المعملية. وإن كان التأمين الصحي بولاية الخرطوم «شوامخ» قد مدّ ذراعيه لضم الكثير من الأسر تحت مظلته لتوفير الخدمات الصحية فإن هذه الخدمات تحتاج للمزيد من التجويد والمراقبة والإضافة. وربما المشروع الذي أطلقته شوامخ خلال الفترة الماضية يسهم كثيراً في إيجاد حل لمشكلة العلاج في الخرطوم. نرجو أن يكون مشروع الأيادي البيضاء هو بداية لنهاية مشكلة تلقي العلاج في الخرطوم خاصة أن هذا المشروع يستهدف الأسر الفقيرة والأيتام والأرامل. ولكن نجاح هذا المشروع يتوقف على الخيرين الذين تمتلئ بهم بلادي ليكفلوا هذه الأسر بمبلغ أربعمائة وثمانين جنيهًا للعام كله. تخيل معي أن هذا المبلغ قد ينقذ حياة طفل توفي والده وهو يسعى لإطعامهم وتوفير الحياة الكريمة له ولإخوانه. وتخيلوا أيضًا أن هذا المبلغ الذي يعتبر زهيدًا جدًا للكثيرين الذين أنعم الله عليهم بالمال يُعتبر مبلغًا ضخمًا لطالب تسعى أسرته لإكمال تعليمه فتدفع له كل ما لديها من مال ولا تستطيع توفير العلاج إن مرض. بحسب معلوماتي البسيطة فإن التأمين الصحي بالولاية يستهدف مائة ألف أسرة في هذا المشروع وما تم كفله حتى الآن لم يتجاوز الأحد عشر ألف أسرة. أكثر من تسعين ألف أسرة تحتاج للأيادي البيضاء حتى تتوفر لهم الخدمات العلاجية في «كرش الفيل». نرجو بعد الانتهاء من هذا المشروع أن ينعم أهل الخرطوم بالصحة والعافية وتتوفر في مستشفياتها الخدمات الطبية كافة. ولكن قبل كل هذا يجب أن تسعى إدارة التأمين لتجويد خدماتها الطبية والمرافق التي تتعامل معها حتى لا يبحث المرضى عن النقالات والأطباء في استراحات الحوادث.