وهي أخت (موسى) عليه السلام.. التي وردت في كتابنا المحكم القرآن الكريم.. في إحدى سوره ال(114) حيث بدأت (القصص) الآية (11) بقصة (موسى) في ديار فرعون بمصر.. أرض الكنانة.. وما أعجب قصص القرآن المتلاحقة بتراكب الأزمان.. ولنا نحن في حياتنا الدنيا عِبر ومثلات ووقفات في هذه الحكم الثابتة.. وأول ما يلفتنا هو حياة القسوة والتعامل مع بعض أهل السلطان.. وتدابيرهم مع أطرافهم في إفشاء واظهار هذه القسوة حتى يقول لاحد منابره (.... فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعليّ اطلع إلى إله موسى وإني لاظنه من الكاذبين) ثم اثبت المولى الأجل (... واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون) ولكننا هنا وبجانب التتالي هذا والابداعي العظيم نريد أن نقف مع نباهة ويقظة (أخت) موسى.. التي ارسلتها أمها.. (أم) موسى.. وذلك عندما ألقت به: (أي أمه) ألقت به في البحر خوفاً من الحاكم الذي يذبح كل مولود ذكر.. مخافة أن يضايقه يوماً ويسلب منه الحكم والسلطان.. ولما خافت هكذا.. امتن عليها سبحانه.. وأوحى إليها قائلاً (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فاذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين) وهنا يبدو حنان الأم.. ولكنها وضعته في (إناء) مريح ثم ألقت به في الماء ليجري به الماء تجاه مصر.. وتقول بعض الروايات أنهم كانوا على مشارف شمال السودان (دنقلا) ليتجه من هناك (أي من السودان) إلى مصر.. فالتقطه من البحر أو النهر أهل فرعون.. وهم لا يدرون من علم شيئاً وانه سيكون يوماً عدواً وحزناً وبؤساً عليهم.. ولكن فؤاد وقلب أمه ظل فارغاً خاوياً لا يضم أو يحوي شيئاً غير صورة وروح إبنها (موسى) ولم تطمئن أبداً فقالت لابنتها اتبعي وقصي أثره علك تنقذيني من الهم والملل.. وهذا ما اعتاد عليه رعاتنا في الأرياف وأهل المفقودات، حين تنعدم عندهم بوصلة الشأن الشاغل الماثل لديهم.. فيركزون بخبرتهم بالطرقات وتتبع الأثر.. وقد يعثرون على صاحبه أو يدخلون به إلى جهة ما.. فيطلبون منهم العون والمساعدة (أي أهل الجهة تلك) في ارشادهم على المطلوب أو إخراج الأثر من ديارهم وإلا أصبحوا أمام حجة واتهام.. فهنا اخت (موسى) تتبعت الأثر والتقطت الأخبار حتى ادركت بتصرف (ذكي) أن أخاها هناك.. بل هو ذاك الذي تراه في مخابيء فرعون.. ولكن بذكائها وحذرها حين وجدتهم هم في حيرة من أمرهم.. ماذا يفعلون بهذا الطفل العجيب.. فقال القرآن (وقالت لاخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون) والطفل لا يستسيغ أو يرضى غذاءاً أو لبناً من أي مرضعة إذ (وحرمنا عليه المراضع من قبل فقال- أي أخته- هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون) وأحكمت هي ووظفت جهلهم بها ومن أين أتى هذا الغلام وليس به أدنى ريبة أو شك أن هذه الفتاة لها به معرفة أو صلة.. واعتبروها ناصحة مشفقة على هذا الطفل مجهول الأسرة.. وهذا اسلوب حذر يقظ في ذلك العهد والزمن العميق.. فمن جهة اطمأنت هي على شقيقها بشفافية على منتدى الواقع.. ومن جهة أخرى افضت ونفذت توجيه الأم المشفقة حتى طمأنتها على طفلها (موسى).. ومن طرف ثالث أدلت برأيها وهي حضور بفطنة وتمويه حذر ودلتهم على (مرضعة) أمينة وخبيرة بأمره (حقاً) وهم لا يعلمون.. وليس بهم شك في مقترحها.. وهم في حيرة من أمرهم.. إذ أبى الرضيع أي مرضعة فاحتاروا.. فكان حضورها وإشرافها بذكاء انقاذاً للطفل.. وبتوجيه من المولى الأعز اعطوها اياه لتحمله برفقتهم ورقابتهم لتحمله إلى (أمه) وهذا هو الوعد الذي وُعدت به من قبل العزيز الأجل سبحانه في قوله: (فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن.. ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون) وهكذ ا ترعرع ونما في كنف وعناية أمه.. وهم يفرحون بهذه الأسرة الحادبة التي قامت بتربية وتنشئة طفلهم والاهتمام بأمره.. (ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين) ولكم انتم أن تلاحظوا هذه القوة والشدة.. وكذلك الحكم والعلم وهذه هي مدينة فرعون التي لا يترك قوياً أو بطلاً بها ينازعه فيها.. وكان يقتلهم (أي الأطفال الذكور) ويقضي عليهم.. حتى لا يكبروا فيصنعون به الأهاويل.. ولكنه (أي موسى) أُلتقط ونما ووصل أشده من القوة.. (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من (شيعته) وهذا من (عدوه) فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه.. قال هذا من عمل الشيطان إنه مضل مبين ü قال رب إني طلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم).. فشكر موسى ربه الأعلى.. وقال (.. فلن أكون ظهيراً للمجرمين).. وهكذا جاءه الناصح الآخر ليخبره أن أهل المدينة يدبرون لقتله.. وينصحه بالخروج منها سريعاً وبسرية تامة.. فتوجه مبتعداً عن المدينة إلى موردٍ هو (مدين) ولما رأته ابنتا شعيب.. وهما لا تستطيعان مدافعة الآخرين لسقي بهيمتهما.. وقد اعجبتهما قوته وقوامه فطلبتا منه السقيا.. وذلك لما أحستا سؤاله وإشفاقه عليهما.. ففعل.. ثم استراح تحت ظل شجرة ثم تولتا ورجعتا لابيهما فاخبرتاه بما صنع لهما وتدرجت الإحداثيات حتى قالت إحداهما لابيها (شعيب) (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين) وليحكم القبضة والبقاء معه.. ولا يكون ذلك البقاء معه بالمنزل دون أن يكون محرماً.. فقال له (... إني أريد أن أنكحك احدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشراً فمن عندك..) فقال (موسى) ذلك بيني وبينك.. بمعنى أنه قد قبل العرض.. وهو الذي شهد أن البنتين أو احداهما حين ارسلها والدها لتستدعيه بالحضور إليه.. رفضت أن تمشي امامه ثم يتبعها.. ولكن من خلفه.. وهذه اشارة لذات الحياء والدين.. وتجري بكم القصة الجاذبة الرائعة.. وما تبقى هو لكم.. قرائي الاعزاء.. حتى تقفوا جميعاً في (القصص) عند الآية (77) وهي (ابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين).. وصدق الله العظيم.. والله أكبر..