على الرغم من مضي 6 أيام على اعتقال إمام الأنصار وزعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي إثر تصاعد التوترات بينه وبين جهاز الأمن والمخابرات الوطني على خلفية انتقاداته «لقوات الدعم السريع» التابعة للجهاز، إلا أن المهدي يشعرك وكأن شيئاً لم يكن مع أن «الدنيا قائمة» جراء القبض عليه وإيداعه سجن كوبر، فالبائن للعيان أن الصادق لم يغب عن الأحداث داخل حزبه والساحة السياسية، بل بدا وكأنه قد أعد مكتباً مصغراً داخل السجن يصرف من خلاله شؤون حزبه ويواصل مسألة «التشبيك» مع المحيط الإقليمي والدولي، فقد بعث الإمام ببيانات قام بإعدادها من داخل المعتقل حول القضايا السياسية المحلية والعالمية وهو أمر مثير للحيرة وينبيء بأن الحكومة تعاملت بموضوعية مع الرجل الذي اعتقل لأكثر من أربع مرات في تاريخه السياسي، وسبق للمهدي مراراً أن قال إن بإمكان المرء أن يجعل من سجنه واحة وأيضاً مقبرة له ودائماً ما أوصى بالأولى. الاعتقال نثر سحابة من الحزن لدى الكثيرين وارتفعت الأكف تضرعاً لله أن ينقذ الوطن من دوامة الأزمات والمحن وقد صلى الإسلاميون صلوات شكر على عودة زعيم المؤتمر الشعبي د.حسن عبدالله الترابي إلى الحوار مع المؤتمر الوطني لكن ها هي اللعنات تلاحق الحوار الوطني على إثر اصطدام أجواء الحوار بمطبات لم تكن في الحسبان لتقطع الطريق المؤدي للإصلاح والتغيير باعتقال الصادق. وبالعودة لواجبات الإمام كرئيس لحزب الأمة القومي فقد أبرق المهدي من كوبر ناعياً ومعزياً بمزيد من الحزن والأسى الشعب السوداني عامة والشعب العماني الشقيق والوسط الدبلوماسي خاصة المغفور له بإذن الله تعالى الوزير المفوض القائم بأعمال سفارة سلطنة عمانبالخرطوم السفير بطي بن خميس السعدي موصلاً العزاء لأسرته وزملائه وأن يلهم أهله وذويه حسن العزاء، وكانت برقية المهدي بمثابة تأكيد للتواصل الذي ظل يحرص عليه وبشكل شخصي، ولعله لذلك كثرت الوساطات والمناشدات الدولية والإقليمية المطالبة بإطلاق سراحه مصحوبة بالتحذير من عواقب وتداعيات الخطوة، حيث بدأت تأخذ موقعها من الحدث وتقدمت الولاياتالمتحدةالأمريكية قائمتها والآلية الأفريقية وآخرون ولكن لم تجد أذناً صاغية حتى الآن ولعل السبب يعود إلى أن المسألة قانونية وليست سياسية، والبلاغ الموجه ضد المهدي قانوني بحت ما جعل المؤتمر الوطني ينفي علاقته باعتقال الصادق. المهدي ربما مارس حياته عادية من المعتقل وجعله واحة، بل وقال في منشوره الأول من داخل كوبر إنه يقرأ في كتاب الله، كل من زار المهدي من أسرته والحزب وهيئة شؤون الأنصار وهيئة الدفاع أكدوا أن صحته جيدة ومعنوياته مرتفعة، بل وأكثر تماسكاً ممن هم بالخارج، ويوصيهم دوماً بضبط النفس وعدم التعامل بردة الفعل أو استخدام العنف حرصاً على الوطن من التشظي، ما يدل على أن الرجل لم يقطع علاقته مع الحكومة، ومع ذلك هناك من يشككون في ملابسات الاعتقال وعن ثمة صفقة تجرى في الخفاء بينه والنظام، مستدلين بعدم معاملته كمعتقل وأن استثناءات تشوب وضعه كسجين سياسي. اعتقال المهدي كشف درجة تحسبه العالية لأي طاريء أو غياب محتمل له حتى لا ينشق حزبه أو تحدث مؤامرة تقلب الموازين، سيما أنها ليست بعيدة عن قائمة الاحتمالات الواردة الحدوث، ففور اعتقال المهدي تسلم نائبه اللواء «م» فضل الله برمة ناصر رئاسة الحزب بالإنابة حتى لا يحدث ارتباك وتصدع في جدران الحزب تلقي بظلالها، فهناك من أبدى مخاوف من قفز ابن عمه مبارك الفاضل العائد للتو إلى البلاد واعتلاء موقع المهدي وانهاء صراع الرئاسة والتوريث في حزب الأمة بطريقة دراماتيكية بعد يأسه من انعقاد المؤتمر العام الثامن وبعد فشل أذرعه في الفوز بمقاعد في الحزب بعد اجتماع الهيئة المركزية الأخير، وبعد بروز محاولات للبلبلة في غياب الإمام وهز ثقة الحزب في نواب الرئيس خاصة ما اعتبره الفريق صديق محمد إسماعيل فرفرة مذبوحين ومحاولة للاصطياد في الماء العكر، واتهمه بأنه يملك معلومات بشأن اعتقال المهدي قبل أيام من الحدث، إلا أن الطريق قطع أمامهم لقناعة مجلس التنسيق بحدوث تحريف تام في حديث الفريق أمام اجتماعه مما حدا بأعضاء المجلس وقيادات الحزب عدم الرد على الأمين العام السابق بقوة وإثنائه عن الخطوات التى شرع في اتخاذها لحسم الأمين نهائياً عن أية محاولات مستقبلية لاستهدافه، وقد تفهم صديق أن ليس هذا هو الوقت المناسب للالتفات لقضايا انصرافية تشتت جهود وتماسك الحزب، مفوتاً بذلك الفرصة على أعدائه وأعداء الحزب حسب تعبيره. ومهما يكن من أمر فإن اعتقال المهدي لا يزال لغزاً محيراً، فالرجل يمارس حياته السياسية «عادي جداً»، ويرسل في البرقيات هنا وهناك وإن بقي حتى يوم السبت يتوقع أن يهني الهلال بفوزه المرتقب على الزمالك المصري في عقر داره، سيما وأن المهدي من «أنصار» الأزرق ومولع به مثلما «أنصار» له مولعون به، ولكن مع ذلك لم يضرموا نار الغضب في شوارع الخرطوم مثلما توقع البعض أن يكون ذلك هو «الدعم السريع» من جانبهم لنصرة الإمام.