«لا يفوتني».. كما يقال في الخطب المفعمة بالمشاعر أن أعلق على خبر مفعم ببشريات تهفو لها النفوس في أجواء ملبدة بغير ذلك.. ورد الخبر بعيداً عن السياسة قريباً من منازل القمر ومراقي النجوم.. حيث عثرت عليه بصفحة المنوعات بهذه الصحيفة «25/5» عنوانه: «السفير المغربي يدعو إلى تحقيق حلم الآباء والأجداد».. قلت لنفسي أي شيء هي البشرى إن لم تكن العودة لسيرة الآباء والأجداد والأحلام المؤجلة؟.. ثم إن في الأمر ما يدهش. يقول الخبر إن «عميد سفراء السلك الدبلوماسي الأفارقة بالخرطوم محمد ماء العينين سفير المملكة المغربية بالخرطوم.. دعا الشعوب الأفريقية للعمل على تحقيق أهدافهم الخاصة بتطوير القارة الأم والتصدي للتحديات التي تواجهها، وطالب بدراسة مساهماتهم الفردية والجماعية تجاه الأمن والاستقرار والسلم». ما المناسبة يا ترى؟.. كشف الخبر عن سفير «قاري» وتظاهرة فرائحية تهمنا حتماً هي الاحتفال بمناسبة «يوم أفريقيا».. يذكرنا السفير بعظمة الذكرى، ففي هذا التاريخ تحديداً «25 مايو من العام 1963» اجتمع الزعماء من اثنتين وثلاثين دولة أفريقية مستقلة لإنشاء منظمة الوحدة الأفريقية في أديس أبابا. للخبر بقية.. لكن الخواطر تترى فتثير الشجون، هل تذكرون من هم أولئك الزعماء؟!.. أثار خواطري هذا الحضور المغربي في صدارة الصف الأفريقي، فالمغرب الآن صوت أفريقيا وتقود توجهاً نحو مستقبل القارة بسند من بلدانها حيث سفيرها بالخرطوم ينصب عميداً للسلك الدبلوماسي الأفريقي، وهو مسمى له رنين منذ عهد «عميد السلك الدبلوماسي العربي» بالخرطوم على أيام عبدالناصر وزعماء قمة الخرطوم الشهيرة وأصداء بطولات باندونق و«عدم الانحياز» وقد وثق لها اثنان من أروع مثقفينا- الفنان عبدالكريم الكابلي والشاعر تاج السر الحسن عليه رحمة الله- برائعتهما المدوية بأمجاد آسيا وأفريقيا يوم تراءت للعالم «كأناشيد الجيوش المغربية» بالغة المدى والصدى والهيبة. السفير ماء العينين ذكرنا بمن شغل منصب «عميد السلك الدبلوماسي العربي» في زمان اتسم بحضور عربي وتألق دبلوماسي وشهرة لأقطابه القادمين من ميادين التحرير رأساً.. سعيت في هذه الأثناء لأن أتعرف على المغرب أكثر وعلى سفيرها المرموق فلم تسعفني إلا انطباعات متراكمة عن زيارات راتبة للعلامة عبدالله الطيّب ضيفاً على الملك وعلى الثقافة المغربية بتواتر مدهش رسخ في الأذهان علاقة الخرطوم بالرباط من خلال حفاوة مغربية أصيلة برموزنا الثقافية والروحية وبمن تعلقوا بأجواء المغرب فازدادوا له حباً.. إن حظي من زيارة المغرب العربي قلي.. فأقصى ما بلغته القيروان عنوان المغرب العربي ومعبر الإسلام إلى أوربا والعالم بأسره وضالة الهجرات المباركة التي عبرت البحار وغيّرت مجرى التاريخ.. أما سعادة السفير فإني سعدت بلقياه للحظات ولكنها كانت مفعمة بأريحية وبشاشة غلابة هي عنوان من عرفت من أهل المغرب في المناسبات العربية الجامعة ومنها ملتقى الكويت عاصمة الثقافة العربية وقد كادت تكون عاصمة للثقافة المغربية حصرياً بتزاحم طرح مثقفيها من كل لون وفي مختلف القضايا المتصلة بالثقافة العربية ومنها قضية الترجمة من لغتنا الجميلة وإليها.. ومعضلة المصطلح واللهجة وسيطرة اللغة الأجنبية وتأثير الفرنسية على لغة الضاد.. لقائي بالسفير حدث مصادفة قبل أيام بكلية قاردن سيتي بمكتب مؤسسها مهندس عمر أبو القاسم ضمن مقترح لتعاون مشترك. بهذه الخلفية العجولة أستوقفني الخبر بدلالاته المتعددة، فالمناسبة عيد يهمنا كأفارقة وعرب ومسلمين وإنسانيين، سفراء كنا أو معجبين بسيرة من أخرجوا أفريقيا من الظلام إلى النور واتصل كفاحهم من أجل استقلالها ونمائها إلى اليوم ليطل جيل «ماء العينين» الذي بشرنا في بيانه الصحفي على شرف المناسبة بأننا أمام «علامة في تاريخ القارة ونقطة تحول في طبيعة مسار شؤون بلدانها» ليدعو القارة لتحارب الأمراض والصراعات والجهل والتهديد المستمر لأمنها، منوهاً إلى أنه «على الأفارقة الدفع بأفكارهم لتحقيق الحلم الأفريقي بالسلام والتنمية».. إننا مع سعادة السفير «فعلى الأفارقة أن يشعروا بالفخر والاعتزاز بالتحرر الذي أعقب تصفيات ونضالات طويلة» ونؤيد لا شك دعوته كعميد للسفراء الأفارقة بشأن «الحفاظ على أفريقيا» والتفاؤل «فنمو قارتنا يعتبر الأسرع منذ بداية هذا القرن، والكل يرى في أفريقيا قارة المستقبل».هكذا تحدث سفير المغرب بالخرطوم حامل اللقب الفريد «عميد السلك الدبلوماسي الأفريقي» عنوان التلاقي المنشود لشعوب القارة الموعودة.. لقد تشكل انطباع رائع عن الدولة والسفير والقارة المحتفى بها.. هذا السفير من ذاك البلد عنوان القارة ورمز الاهتمام بالثقافة والتواصل الروحي الصوفي والاستقرار السياسي «المخدوم» برشد وتمهل وسخاء.. لقد تابعت تداعيات هذا الخبر السخي بقلة ما تيسر من معلومات لكني سارعت للشبكة فأسعفتنا بفيض من سيرة المغرب.. أستوقفني منها ما ورد عن علاقة هذا البلد العربي الأفريقي المسلم بأفريقيا، وفي الأمر ما يثير الدهشة. دولة المغرب مع كونها من الدول المؤسسة للوحدة الأفريقية وسفيرها اليوم بالخرطوم هو عميد السفراء الأفارقة «هي الدولة الأفريقية الوحيدة التي ليست عضواً في الاتحاد الأفريقي».. هكذا تقول رواية النت فحين حل الاتحاد محل المنظمة انسحب المغرب «1984» بسبب رفض الاعتراف بسيادته على الصحراء الغربية.. الرواية تضيف «بيد أن للمغرب مكاناً خاصاً في الاتحاد» وتشير إلى أن «للمغرب وضعاً متقدماً في اتفاقيات الشراكة والجوار». هذه سانحة لنتمنى لسفير أفريقيا بالخرطوم التوفيق في تعزيز هذا الوضع المتقدم لبلاده في مجال الشراكة والجوار، ونساند أطروحته الطموحة نحو«قارة المستقبل».. إنه سفير طموح يستمد القبول من«الأنموذج» الثقافي والسياسي والحضاري الذي تتمتع به بلاده.. لعل أفريقيا والعرب والعالم في حاجة ماسة الآن لنموذج لدولة مستقرة تكون دليلاً لغيرها للنجاة في هذا الخضم المتلاطم.. الأمر يحملنا لننظر بموفور الإعجاب لهذا البلد الشقيق الذي يتربع على تاريخ حافل ويتصالح مع حاضره بذكاء وبتوازن وتؤدة ليتقدم كل يوم نحو مستقبل يتراضى فيه شعبه أكثر وأكثر.. وتتنامى دولته أكثر وأكثر، نسأل الله تعالى له دوام الاستقرار والتميز الذي عرف به.