ًً منتصف الاسبوع الماضي وبينما كنت خارجاً بسيارتي باتجاه وسط الخرطوم، فوجئت ب«موترجريدر» من عيار «دي-8» يجْعَر شرق شارع عبيد ختم وبجمهور من الناس لافت يجتمعون حوله يتفرجون في حيرة واستغراب على ما يجري، واذا بحملة من الشرطة والموظفين الحكوميين على سياراتهم يراقبون الموقف. ًً ما هي إلا لحظات حتى اكتشفت إن الآلة الضخمة ذات السكين الحاد والعريض لم تزر حيّنا لترصيف الشارع أو لإزالة مرادم الأوساخ والأوشاب، إنما اتت خصيصاً لتنفيذ «أوامر الإزالة».. إزالة الأكشاك.. ذات الأكشاك التي نعرف أصحابها والتي ظلت تقدم الخدمات لسكان المنطقة على مدى عقود من الزمان.. تبيع الجرايد والمجلات والأقلام والكراسات ورصيد الهواتف وفواتير الكهرباء وغير ذلك كثير من مستلزمات السكان العاجلة. ًً كان المنظر صادماً، وشعرت بتعاطف شديد تجاه هؤلاء الذين كانوا يشكلون جزء من النسيج الاجتماعي والخدمي، فاتجهت إلى عربة ضمن الحملة كان بها موظفون وضباط شرطة يراقبون، فسألتهم عن هذا الذي يجري وما هي أسبابه ودوافعه، لم تكن لديهم إجابة شافية، غير أنه «تم انذارهم أكثر من مرة بالإزالة» ولم ينفذوا.. قلت لهم إن هؤلاء الناس لم يقيموا أكشاكهم على الرصيف ولم يفعلوا ذلك عشوائياً، ولم يعتدوا على الشارع.. فشارع الاسفلت الممتد من شارع أفريقيا إلى شارع الستين عبوراً ب«عبيد ختم» عند البلابل، والذي يسمى لسخرية القدر «شارع الفردوس» لا يزيد عرضه المسفلت عن 10 أو 12 متر في أحسن الأحوال ويتسيد التراب والأوشاب جنباته، برغم أن المسافة الفاصلة بين المربعات القائمة على جنباته بحسب «المخطط الأصلي» قد تصل إلى 80 متراً في أقل تقدير.. ًًü على ماذا يخاف السادة أهل المعتمدية والمحلية على هكذا شارع؟!.. هل وجود هذه الأكشاك، التي لابد أنها حصلت على تصاريح لتشييدها قبل عشرات السنين مثلت عدواناً وأذى للسيارات المارة أو لمستخدمي الطريق من المشاة على الرصيف- الرصيف غير الموجود اصلاً والذي لا يحلم أهل أركويت بوجوده برغم توسط حيّهم «عاصمة الغبار» الخرطوم- وأهم محلياتها «الخرطوم شرق»! ًًü سمعنا، وقرأنا أن معتمدية الخرطوم تعمل على تصميم أكشاك جديدة، أكثر أناقة وروعة وبهاء لتستبدل بها الأكشاك القائمة الآن على الشوارع، لأنها تراها أقل من «المواصفات الجمالية» المعتمدة في عاصمتنا الحضارية.. وذهب ظننا- وبعض الظن إثم- أنه في اللحظة التي تقرر فيها سلطات المعتمدية ومحلياتها إزالة الأكشاك القديمة- والتي لا تشكو من قبح أو تشويه في الحقيقة- فإن السادة المسؤولين في المعتمدية والمحليات سيأتون بالاكشاك البديعة والزاهية التي تلبي رؤاهم الجمالية وتقدمها لأهل الأكشاك القديمة، إمعاناً في تجميل العاصمة.. ولكن الذي حدث هو تحويل اطراف «شارع الفردوس» إلى مخيمات متناثرة، حيث اضطر العمال المياومون لإحضار مشمعات وملاءات شدوها على أعواد القنا بينما ذهب القادرون من الباعة الجائلين إلى نصب شمسيات ليتقوا هجير الحر.. أما الشباب العاملون في تلك الأكشاك المزالة فقد «ركبوا التونسية»، لكن لا أدري إلى أين، حيث قرر المعتمد نمر أن يضيفهم إلى قوائم المتبطلين، وقد تحط رحالهم في إحدى صحارى التعدين في كردفان أو نهر النيل. ًًü «شارع الفردوس»- المفقود- هو واحد من أطول شوارع العاصمة العرضية يمتد من شارع افريقياً غرباً وحتى شارع الستين شرقاً.. وهو مؤهل، بحكم عرضه الكبير وحركة المرور الكثيفة فيه. لأن يصبح شارعاً بمسارين يستوعب كل مسار فيه ثلاث حارات على الأقل، وهو الشارع الذي يمتد ايضاً، بعد لفة صغيرة بشارع المطار، حتى آخر «جبرة» في غرب الخرطوم.. ولكن لم يفتح الله على السيد المعتمد أن يوليه عنايته التي غطت شوارع أقل أهمية تتفرع عنه كشارع «النخيل» الذي ينتهي عند شارع عبد الله الطيب، حيث تم تجديده وانارته ورصف اطرافه ب«الانترلوك» لأسباب يعلمها تماماً أهل المنطقة ويتحدثون عنها بحرقة، فالرصف ب«الانترلوك» امتد إلى ما بين البيوت في ذلك الحي المفتقر لأبسط قواعد التخطيط الهندسي والمسمى على إحدى المدن السعودية «الطايف»!!!