قرأت قبل أيام قليلة حواراً في إحدى الصحف مع شخصية أثارت جدلاً وأزمة قبل أكثر من أربعة عقود.. وجرى الحوار بلسان دارجي جعل الحوار جاذباً بعد أن نجح الصحفي فى نقل أجواء الحوار العفوية البسيطة إلى الورق؛ لكن المصحح أخضع اللغة الدارجة لقواعد العربية الفصحي فأفسد لحد كبير متعة الحوار البسيط؛ فلما وصف ضيف الحوار سياسياً راحلاً بأنه (كان راجل واضح ونضيف) أصر المصحح على أنه كان راجلاً واضحاً ونضيفاً، فنصب (الراجل) لكن تركه كما هو بدون أن يحوله إلى رجل كما تقضي اللغة الصحيحة، و جعله نضيفاً كخبر لكان بدون ان يجعله نظيفاً كما تحكم الفصحى.. خلطة بين الدارجة والفصحى أنتجت هجيناً غير جميل .. هذه مقدمة للحديث عن الجدل الذي لن ينتهي بين الكتّاب والمصححين الذي يبلغ أحياناً مدى بعيداً، فيتهم المصححون الكتاب بالجهل بقواعد اللغة.. و يرد بعض الكتاب بطلب صريح إلى إدارة التحرير بترك مادتهم بلا (تصحيح).. فالأفضل عندهم أن يشمل المقال أخطاء بسيطة لا تفسد المقال بدلاً عن تصحيح (متعسف) يبدل المعنى أو يجعل (المادة) بلا روح .. وقد يكون شيوع الدارجة في التصريحات على شاكلة (يموصوا و يشربوا مويتو) وفقع المرارة و(جات تتفولح) سبباً إضافياً لتعقيد الموضوع.. وأظن أن أكثر الكتاب شكوى من تدخلات المصححين الخشنة هو الأستاذ عبد اللطيف البوني الذي يكثر في كتاباته من الدارجة والأمثال والشعر الغنائي البسيط.. فليحمد الله أن لازمته الشهيرة (وحاجات تانية حامياني) لم تتحول إلى أشياء أخرى تمنعنى.. وأبدع الأستاذ قرشي عوض حين حوّر (الفينا مشهودة) إلى (الفيفا مشهودة) كاتباً عن تدخل حاسم من الإتحاد الدولي لكرة القدم في صراع انتخابي في السودان، لكن المصحح الذي لم يسمع بالفيفا لأن الكرة ليست من إهتماماته، أفسد كل براعة قرشي و صحح ما اعتبره سهواً من الكاتب . و جاء المقال بعنوان كبيييير (الفينا مشهودة) .. ومما يروى من نكات المتشددين في اللغة أن إماً كانت تهدهد رضيعها (كدي .. كدي) لكن الأب المتشدد يقول (هكذا.. هكذا). وروى لي الأستاذ عبد الرحمن حسن الصحفي بدولة قطر أن زميلاً لهم في المرحلة الثانوية كان يغتاظ من أستاذ الرياضيات الذي يقول (المعادلة تؤول إلى الصفر) ظناً من الطالب أن الأستاذ يحاكي اللسان المصري فيبدل الفعل (تقول) إلى (تؤول)، ولما بلغ به الغيظ أشده، واجه الأستاذ متسائلاً و مصححاً : إنت مصري؟ ليه تقول تؤول، ما تقول تقول..