كثيرًا من المياه جرت تحت جسر الانقاذ منذ أن جاءت على سدة الحكم في السودان في 30 يونيو 1989م قادتها سموها ثورة لانقاذ الشعب السوداني من الاوضاع السيئة اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً.. معارضوها وصفوها بالحركة الانقلابية العسكرية ضد الديمقراطية، ومابين ثورة وانقلاب ظلت الانقاذ تسير بسفينتها مواجهة كل الأمواج العاتية داخلياً وخارجياً متحدية بمشروعها الحضاري العالم.. دافعة باعضاءها في مشاريع التمنية والبنى التحتية واستخراج البترول. مشيرًا الى ذلك في كل خطبها السياسية وهي تحتفي كل سنة بانجازاتها التي توجتها بحسب مراقبون بتوقيع اتفاق السلام الشامل مع قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان والتي عرفت بالحركة الشعبية كحزب سياسي وقع اتفاق سلام بعد حرب دامت خمسين سنة مع الشمال لتفضى الى استفتاء كان الخيار فيه الانفصال برسم قرار ابناء الجنوب وهذا الامر الذي اعتبرته المعارضة لسياسات الانقاذ بالنقطة السوداء في تاريخهم وتاريخ الحركة الاسلامية، والتي اتخذت من المؤتمر الوطني جناح سياسي وحزباً يمثلها في الحكومة ..تغيرات كثيرة ومفاجآت احصاها المراقبون السياسيين على مسيرة الانقاذ التي لم تهدأ ابدًا مابين معارك داخلية سياسية ومابين حركات مسلحة نشبت فور توقيع اتفاق السلام في دارفور ليلتهب الاقليم حتى الآن ويشكل خنجرًا على خاصرة الانقاذ التي ما ان اعتدلت من حرب الجنوب حتى واجهت حروب دارفور رغم ان الانقاذ قد غيرت جلدها حين شاركت حزب الشريف الهندى الاتحادى الديمقراطي عقب المبادرة الوفاقية الوطنية الشهيرة 1997م وفتحت ابوابها للمشاركة الحزبية في سنة 2010م مرحلة الانتخابات واعلنت حينها نهاية الانقاذ كثورة.. بحسب بيانها وماعادت تحتفل كما السنوات السابقة وقالت إن الحكومة الآن وطنية وفق نتائج الانتخابات التي شاركت فيها أحزاب متعددة وامتنعت عنها اخرى ليظل المشهد بلافتة المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية والتي حدثت بها المفاصلة الشهيرة في 1999 حين أصدر الرئيس البشير مرسوماً أعلن فيه حالة الطواريء في البلاد لفترة ثلاثة أشهر كما أمر بحل البرلمان، مانعاً بذلك نقاشاً برلمانياً من أجل إجراء تعديل دستوري يحد من سلطته. تلك القرارات التي سميت في الفقه السياسي السوداني ب(قرارات رمضان) كانت بداية مفاصلة كبيرة داخل الحكم الإسلامي قاد أحد شقيها الدكتور الترابي وقاد الشق الثاني المشير البشير ومعه علي عثمان محمد طه. وهكذا كانت النسخة الأولى هي العشرة الأولى ((1989 -1999) التي ساد فيها إلى حد ما القيادة الجماعية للحركة الإسلامية صاحبة الإنقلاب بشقيها المدني والعسكري بزعامة الشيخ حسن الترابي,والتي انتهت بالمفاصلة الشهيرة ومع الدخول في النسخة الثانية من الإنقاذ في العام 2000م, زاد من خلالها وتيرة الايقاع السياسية داخلياً وخارجياً، وشهدت فترته استخراج النفط وتدفق الأموال لتختتم هذه الوتيرة المتصاعدة بتوقيع سياسي لاتفاقية السلام في 2005م وجاء بعدها الانفصال والانتخابات وكانت المفاجأة للانقاذ في العام 2013م بنسختها الثالثة المتجددة حيث خرج منها القيادات بعد خطاب الوثبة الشهيرة واتجاه المؤتمر الوطني نحو التغيير وجاءت المفارقة بالترابي مرة اخرى بعدقولته الشهيرة ذهبت للسجن حبيساً وذهب البشير الى القصر رئيساً ..ليعود مرة اخرى عراب الحركة الاسلامية في جبة الحوار الذي دعا اليه البشير رغم رفض القوى المعارضة للحوار والمطالبة بتنحي الحزب الحاكم وانهاء حكم الانقاذ الذي استكمل بيونيو 2014م ربع قرن من الزمان.. تبدو المسافة (مابين بعيدة وقريبة) للمعارضة المطالبة برحيل النظام ومابين الانقاذ وهي تستعد لنسخة رابعة، حشدت لها العسكر وهي المؤسسة التي جاءت خلفيات قيادة الانقاذ منها في يونيو 1998م فبواسطة العسكريين كانت البداية للحركة الاسلامية والآن المشهد بين ذات العسكر الذين مابروحوا مناصبهم وللدواعي الأمنية كان منهم الولاة والقيادات في مناطق العمليات الساخنة.. يظل المراقبون في أرائهم بأن هنالك تغيرات حدثت.. واخرى قادمة.. اما المفآجات فلن تنتهي في لعبة اسمها السياسة ....!!