تجد تجارب الحكم الإسلامية نقداً من رافضيها و تحفظات ، شأنها شأن كل تجربة سياسية ،و تجد سلوكيات في المجتمع المسلم رفضاً و إستهجاناً من أفراد في المجتمع المسلم نفسه ، و هو رفض مبشر قد يكون مقدمة لمعالجة السلوك المعوج ،لكن العجيب هو قرن ذلك بإيراد نماذج للأخلاق الفاضلة في مجتمعات غير مسلمة مع إبداء كل علامات الدهشة، و التعجب ، فيحكي أحدهم عن تجربته مع رجل الشرطة الذي إبتسم له في باريس ، وآخر عن الموظف الراقي في مطار هيثرو و ثالث عن الممرضة التي تشبه الملائكة في مستشفى ببرلين .. و يعدد المحدثون نماذج الأمانة و الإنضباط و التحلي بالمسؤولية و الإتصاف باللطف بإعتبارها ليست جزءاً اصيلاً في تركيبة تلك المجتمعات ، مع الإيحاء بأنها ماركة) مسجلة بإسم المسلمين ، و يكون خاتمة الحديث عادة قول منسوب للإمام محمد عبده بهت من كثرة الإستهلاك و الإستدلال ، إنه وجد الإسلام في بلاد غير مسلمة و لم يجد الإسلام عند المسلمين .. هذه الحالة تجافي الحقيقة المتعلقة بالتطور البشري التي تؤكد إستحالة البدء المفاجيء للخلق الكريم مع ظهور دين محدد ، و فوق ذلك أنها حالة تتعارض مع قول سيدنا محمد نبي الإسلام نفسه عليه أفضل الصلاة و السلام ، القائل : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .. و هو القائل : خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام .. و لما طمأنت السيدة خديجة زوجها بعد نزول الوحي عليه عدّدت له مكارم أخلاقه، و ما إتصف به قبل البعثة فقالت : كلا و الله لن يخزيك الله أبداً ، إنك تصل الرحم و تصدق الحديث و تحمل الكلّ و تقري الضيف و تكسب المعدوم و تعين على نوائب الدهر .. و مع ذلك لا يكف هؤلاء عن أحاديثهم المتعجبة من وجود مكارم الأخلاق عند بشر غير مسلمين .. و بدلاً عن هذا التعجب غير المبرر و الذي يكاد أن يصل درجة مطالبة تلك المجتمعات بأخذ الإذن من المسلمين قبل الشروع في ممارسة هذه الأخلاق الفاضلة ، فليبحث هؤلاء في أسباب تراجع المسلمين في هذا الميدان ، رغم ما في الإسلام من قوة دفع روحية تعين كثيراً على بلوغ هذه القمم الأخلاقية ، و الأخذ بالأسباب التي جعلت تلك المجتمعات تتفوق و ترتقي .. مع الحذر من عزل الإسلام في قوقعة و كأنه ليس جزءاً من منظومة إنسانية متكاملة ، هو حذر سببه فهم خاطيء بأن المسلمين أمام خيارين : إما الإستعلاء و الوصاية على الآخرين ، أو التقوقع و الأسف علي حالهم اليوم، و البكاء على ماضٍ ضاع ..