هذه رسالة من رفيق الأيام الخوالي، الذي كان له عهد مع هذا الوطن، بأن لا يهاجر، ولكن..! ما الذي حدث؟.. اقرأوا رسالة د. عبد النبي عبد اللّه الطيّب النوبي، أستاذ الصحافة والإعلام بالمملكة: قالت العرب قديماً: «لما بدا لي منكم عيب أنفسكم، ولم يكن لجراحي منكم آسِ.. أزمعت يأساً متيناً من نوالكم.. ولن يرى طارداً للحر كاليأسِ»..! صورة أولى موجة جديدة من الأساتذة الجامعيين بدأت في الاستعداد لموجة جديدة من الهجرة.. هجرة شملت مختلف الدرجات العلمية والتخصصات الأكاديمية ومن كل جامعات السودان، ولو ذهب أحدكم للبرج الفخيم لوزارة التعليم العالي لهاله أمر المئات من الأساتذة وهم يصطفون أمام الوزارة للحصول على شهادات خلو الطرف مدفوعة القيمة.. وبهذا المعدل من الهجرة أخشى أن يأتي يوم لا تجد فيه جامعاتنا أحداً يدرس أو يشرف أو حتى يتولى الإدارة فيها. في الأخبار أن عمداء ورؤساء أقسام ضمن طيف المهاجرين. صورة ثانية يظن الكثيرون أن السبب الأول لهجرة الأستاذ الجامعي مادية، ولكن هذا جزء من الحقيقة فقط، وإذا ألقينا نظرة على المرتبات في السودان نجد أن الأستاذ الجامعي أفضل حالاً من غيره، ومن خلال تجربتي الشخصية فإن أسباباً أعمق وأكبر هي التي قادت لهذه الهجرة، وللأسف الوزارة لا تحرك ساكناً في إزالة هذه الأسباب. ومن أولى هذه الأسباب وأهمها سياسة الإقصاء التي تتبعها إدارات الجامعات، فحفاظاً على كراسيها أحاطت إدارات الجامعات نفسها بمجموعة من المطبلين وضعاف الشخصية وقليلي الموهبة والذين أصبحوا أساتذة جامعيين على غفلة من الزمن، فاتخذتهم أعواناً يزينون لهم الباطل ويوهمونهم بأنهم يأتون بما لم يأتِ به الأوائل، فتسلل الغرور لتلك الإدارات وأصبحوا فراعين زمانهم فحولوا ساحات الجامعات للجان تحقيق ومحاسبة وفصل مما أدى لزهد الكثير من الأساتذة خاصة بعد الصمت المطبق للوزارة رغم الشكاوى والتقارير التي تصلها من جهات مختلفة. سبب آخر هو ضيق مواعين البحث والنشر العلمي، وهو كما يعلم القاريء أهم معايير الترقي العلمي للأساتذة. فقد فشلت إدارات الجامعات في تهيئة البيئة الصالحة للبحث والنشر، وفي التحقيق فإن الهم الأول لمديري الجامعات هو نثريات السفر لحضور المؤتمرات عديمة الجدوى، أعرف مدير جامعة ما عاد من سفر إلا وكان يستعد لسفر آخر، ولو خصص كل مدير جامعة ما يصرفه على نفسه من نثريات لازدهر البحث العلمي، وتطورت مواعينه، ولكن من ترقى بالطرق الملتوية لن يلتفت لمن كان همه البحث والتأليف والنشر، وليت الوزارة تفتح ملف سفر مديري الجامعات. سبب آخر لهجرة الأساتذة هو هيمنة ما يسمى بالوحدات التنظيمية والتي أحمكت قبضتها على مفاصل التعليم العالي، بداية من الوزارة واختيار وزيرها ومعاونيه، مروراً باختيار مديري الجامعات والكليات وحتى الأقسام مما أدى لإقصاء كثير من المؤهلين بدواعي عدم الولاء وحتى في حالة الولاء بدعوى أنهم لا يسمعون الكلام، وأسوأ من ذلك العنصرية والقبلية هل يصدق أحد ذلك؟ حدثني أحد الأساتذة المهاجرين وهو ينتمي لنفس التنظيم الحاكم أنه قد رشح لعمادة إحدى الكليات فاعترض مسؤول الوحدة التنظيمية لجامعته أنه ينتمي لإقليم معين مغضوب على أبنائه مشكوك في ولائهم. هذه بعض أسباب الهجرة المؤلمة لأساتذة الجامعات، وهي هجرة تفقد السودان كثيراً من العقول والكفاءات التي تم تأهيلها من مال الشعب السوداني فتم دفعها دفعاً للهجرة. ترى من المسؤول؟.. وهل من حل؟ { عبدالنبي عبداللّه الطيّب أستاذ جامعي مهاجر