انتهينا في حلقة سابقة إلى ما خلاصته أن داعش وهو (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام)، كان في الأصل فرعاً من فروع تنظيم القاعدة (فرع الرافدين)، انفصل عن التنظيم الأم بسبب البيئة التي خلفتها أجواء حرب العراق والثورة السورية.. أي أن داعش بذرته القاعدة في أجواء العراق وتربى في الحرب الأهلية السورية. إذن المجتمع الدولي هو المسؤول عن ظهور هذه التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وذلك عندما سكت على الغزو الأمريكي للعراق، والذي بدوره أطلق يد الشيعة على السنة، وعندما ترك الشعب السوري في العراء دون مساعدة ، لهذا ظهر داعش بصورة مزلزلة. الكيفية التي جاءوا بها كشفت عورة أمريكا وأوربا، بل ظهروا كمن جاء عقاباً إلهياً ليدفع الأمريكان والأوربيون ثمن مواقفهم من إسرائيل، المهم ليست شعاراتهم ولا فقههم الديني الذي يجنح للتطرف، بل الأهم كيف وجهتهم المشيئة الإلهية لتسير بهم الأحداث أو تسلطهم على أمريكا وأوربا قصاصاً للمستضعفين في فلسطين !! الإجرام الذي ارتكبه داعش في عملية قتل الصحفي الأمريكي جيمس فولي لا يقل بأي حال من الأحوال عن الجرائم التي ارتكبتها ألمانياوأمريكا حينما أمدتا إسرائيل بالذخيرة أثناء الحرب وهي تمزق أجساد أطفال غزة.. عمليات داعش صدمت أمريكا التي كانت منتشية بنصرها في شمال العراق، واضطرت مرغمة أن تكشف عن هزيمة أخفتها في الأرض السورية، وهي تشرع في تخليص الرهائن، هذا الصحفي المسكين دفع الثمن والمسؤول الأول هو أمريكا وأوربا.. لا يريدون أن يفهموا أنهم يدفعون ثمن تأييدهم غير المنطقي وغير الأخلاقي وغير القانوني لإسرائيل، لا مفر أمامهم من دفع المزيد من الثمن إن لم يرعوا! ذكرنا من قبل أن أوربا وأمريكا ستضطر لمحاربة الإسلام كعقيدة ما لم تغير موقفها من إسرائيل.. وقلنا هناك إن «داعش» مرحلة متقدمة للفقه الإسلامي المتطرف، والسبب هو سحق الوجدان الديني للعرب والمسلمين من قبل أمريكا وأوربا، بعمليات حماية إسرائيل في فلسطين وليس أمامهم سوى إحقاق الحق في فلسطين وإلا ستطاردهم روح بن لادن حتى في شوارع المدن الأوربية. شرحنا هناك أيضاً كيف توغل الفقه الإسلامي المعتدل في التطرف.. حتى قيام إسرائيل عقب حرب 1948م، كانت روح الفقيه محمد عبده هي المسيطرة، وقد كان فكراً إسلامياً منفتحاً وفقيهاً محباً لأوربا.. بدأت آثار الظلم الإسرائيلي مع فقه الشيخ سيد قطب الذي فتح الباب للتشدد وعندما تم إعدامه على يد حكومة مستبدة، اشتد التطرف وبلغ مرحلة التنفيذ مع فقه الظواهري.. وعندما طورد ظهر (التطرف) أشد مع (القاعدة)، وعندما قتل بن لادن انتقل الفقه المتطرف نقلة نوعية وانقلب من (تنظيم) إلى (دولة).! إذن التطرف في حركة تصاعدية والاستعانة بالأنظمة المستبدة في العام العربي لن تفيد كثيراً في محاربة التطرف الإسلامي لإنها جزء من الأزمة. إذن الحلول العسكرية المتتالية في مواجهة الفقه الإسلامي الرافض للهيمنة الأوربية الإسرائيلية أوصلت التنظيمات الإسلامية إلى منعطفات خطرة.. داعش الآن أقوى مادياً عن التنظيم الأم وستخرج من هذه الحرب الأخيرة أغنى معنويا.أمريكا وأوربا في مأزق حقيقي، فهي غير قادرة على تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية؛ لو فعلت ستعالج أزمة فلسطين، وإلا ستكون قد فتحت على نفسها أبواب الجحيم بحرب صليبية، وقد بدأت الآن تخطو نحو هذا المصير.. القرارات الدولية الآن تطارد الفكر الإسلامي بصريح العبارة، بدأوا يتباكون على البعد الأيدلوجي والحاضن السني لهذه التنظيمات، وبقيت لهم خطوات معدودة لإعلان الحرب على العقيدة الإسلامية نفسها.. ولو فعلوا سيجدون المجتمع الأوربي نفسه في مواجهتهم ولا تخفي عليهم أعداد الشباب المشارك في تنظيم داعش. ومن مفارقات (قلة الحيلة) هذه، أنهم يطالبون تركيا السنية التي عانت من القومية الكردية أن تفعل في إنقاذ الأكراد في الكوباني ما لم تفعله لإنقاذ السوريين، الذين كانوا يذبحون يومياً لسنوات متتالية، يطلبون منها أن تسلح الأكراد (أن تطمس عينيها بيدها)، وهكذا أيضاً يطلبون المستحيل من الطائفة السنية العراقية.. يطلبون منهم أن يقودوا الحرب على داعش وما داعش إلا ابن هذه البيئة.. ولكن تركيا استطاعت أن تفلت من المأزق الذي وقع فيه الخليجيون وعشائر الصحوة العراقية!! إذن الحل في الخطوات الرمزية التي اتخذتها دولة السويد بفتح الجرح الأصلي للمشكلة وفي الإشارات الفرنسية بإمكانية الاعتراف بدولة فلسطينية، والموقف الصحيح أيضاً كان في فتح حزب الله جبهة قتال مع إسرائيل (مهما كانت الأسباب) فليس من المعقول أن يظل المجرم الأساسي آمناً، والعالم يدفع ثمن إجرامها في غزة والمسجد الأقصى.. آخر المفارقات حتى الآن أمريكا تستقطب العرب السنة في حربها ضد داعش والمعتدلين السنة، وربيبتها إسرائيل تطرد المصلين من باحة المسجد أثناء الصلاة!!