لم يكن مقترح المؤتمر الوطني القاضي بتقسيم ولاية الخرطوم لولايتين بالجديد، فقد سبق أن ألمحت قيادات بالحزب إلى ذلك الرأي، بينما الذي جاهر به كان نائب رئيس الشورى القومية للحزب الحاكم د. عبد الحميد موسى كاشا، ففي مارس الماضي شارك الرجل في ندوة موسومة ب «الحدود وأثرها على النزاعات»، واقترح كاشا تقسيم ولاية الخرطوم إلى ثلاث ولايات، ودافع عن مقترحه بشدة بحجة أن الخرطوم تحتمل التقسيم ومؤهلة لذلك، بجانب إحكام السيطرة الأمنية وتقليص الظلال الإداري وتفعيل الخدمة المدنية. وسمى كاشا الولايات الثلاث المقترحة «وسط النيلين وعاصمتها الخرطوم، وشرق النيل وعاصمتها بحري، وغرب النيل وعاصمتها أم درمان». وتجاوزت المسألة طور المقترح إلى أرض الواقع عندما تم تقديمها للبرلمان، وطالب رئيس كتلة نواب ولاية الخرطوم بالمجلس الوطني عمر عبد الرحيم أمام البرلمان أمس تقسيم الولاية إلى قسمين يعنى أحدهما بإدارة شؤون البلاد كعاصمة قومية وتكون الأخرى ولاية عادية، ودواعي التقسيم بحسب كاشا أن عدد سكان ولاية الخرطوم كفيل بتقسيمها إذاما قورنت بولايات شرق ووسط دارفور ونهر النيل والشمالية، بينما ارتكز رأي عبد الرحيم على أن الخرطوم تدفع مواردها للولايات، وأوضح أن حكومة الولاية ليست لديها الإمكانات الكافية وينطبق عليها المثل «العين بصيرة والإيد قصيرة». ولعل مقترح كاشا جاء من واقع خبرته كوالٍ سابق لولايتين «جنوب وشرق دارفور» ووزير بحكومة ولاية القضارف ثم بالحكومة المركزية، وخبر تقاطعات الحكم اللا مركزي، لكن قد تفسر جدية الحزب الحاكم بالخرطوم لجهة أن الوطني يعتزم تقسيم الولاية من واقع إحداث موازنة سياسية في المقام الأول وضبط الزحف نحو العاصمة وتقصير الظل الإداري، علاوة على ذلك أن الازدحام الذي بات يتكرر في العاصمة كثيراً ما يشل الحركة وحال التقسيم ستتنفس الخرطوم، وقد يتطابق هذا مع اتجاه حكومة الولاية الآن لتفريغ شارع النيل من المقار الحكومية. مسألة عاصمة إدارية بجانب عاصمة الولاية الأم ماثلة في عدد من الدول، وقريباً منها تجربة ماليزيا التي لديها عاصمة إدارية في مدينة «بتروجيا»، تتضم مؤسسات الدولة ورئاسة الوزراء حتى أنها أصبحت مزاراً لضيوف ماليزيا مما خفف الضغط على العاصمة كوالالمبور وهو ما تعاني منه الخرطوم - الضغط - حتى أن الوالي عبد الرحمن الخضر، فكر في نقل الجامعات وسبقها بنقل المستشفيات وهو الأمر الذي لا يزال يواجه بارتباك وحالة من عدم الرضا من قطاعات واسعة. تقسيم الخرطوم قد يفتح الباب أمام تساؤلات على شاكلة كيف تتجه الحكومة لزيادة عدد الولايات؟ وهي تتحدث عن خفض الانفاق، بل إن نواب البرلمان طالبوا أمس الأول بتقليص الدستوريين في الولايات، بينما خصوم الحكومة يتندرون أنها أصبحت مولعة بالتقسيم وفي البال تجزئية دارفور وارتفاع الولايات لخمس بدلاً عن ثلاث، وتساءل آخرون على ماذا استند القرار هل لان مساحات الولايات الثلاث كانت كبيرة جداً؟.. بينما «الشمالية، شمال دارفور، البحر الأحمر، شمال كردفان»، كلها أكبر مساحة من تلك التي قسمت، فلماذا الميعاد تقسيمها؟ تذهب الأنظار إلى أن مقترح التقسيم الهدف منه ترضية أو فهم سياسي وأنها تتم إلى حد كبير وفقاً لأهواء بينما الملاحظ أن تقسيم ولايات دارفور تم وفق لجنة مختصة شكلت بقرار جمهوري في يناير 2009م، وقال عضو اللجنة د. الأمين عبد القادر ل «آخر لحظة» إن الهدف كان منها دراسة مقترح زيادة عدد الولايات بدارفور واختصت اللجنة وفق القرار بدراسة الأوضاع الديمغرافية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي تستوجب إعادة النظر في الصورة التي قام عليها الهيكل الإداري الحالي لولايات دارفور. رؤية كاشا الذي هاتفته أمس أن التقسيم سيخفف الضغط في اتجاه العاصمة، وشدد في حديثه معي على ضرورة عدم التخوف من الصرف الحكومي وقال إنه بالإمكان تشكيل حكومة من عدد محدود جداً من الدستوريين، بجانب أن موارد العاصمة تكفي الولايات المقترحة. ونوه إلى أن الحواجر المائية لن تدخل الولاية في أي مشاكل حدود مستقبلاً. شهدت العاصمة هجرة كبيرة من كافة الولايات، منها ولايتا جنوب كردفان والنيل الأزرق بعد الحرب في المنطقتين، بجانب تدهور الأوضاع في دولة الجنوب، مما جعل الولاية تئن خاصة مع قلة الخدمات أو لنقل إنها متوفرة ولكن مع تزايد السكان تبدو غير بائنة. مقترح التقسيم تزامن مع تشكيل اللجنة الطارئة المناط بها النظر في إجراء تعديلات محدودة في الدستور مما يخال للبعض أن اللجنة المذكورة يمكن أن تنظر في أي تعديل، وبالتالي التكييف القانوني للمقترح مجهول حتى الآن، وكانت رئيسة لجنة التعديل د. بدرية سليمان قد شددت في حديثها ل «آخر لحظة» في تصريح سابق أن مهمة اللجنة تنحصر في النظر في الحكم الفدرالي وتحديداً مسألة تعيين الولاة بجانب أراضي الاستثمار بالولايات. ومهما يكن من أمر، فإن التقسيم من عدمه ليس مربط الفرس، وإنما المهم تقديم خدمة حقيقية للمواطن تعود عليه بالنفع.