مولانا وشيخنا الدكتور الترابي لك التحايا والاحترام.. وبالأمس توقفنا ونحن في معيتك عند محطة المفاصلة.. وتذهب إلى المنشية مغاضباً بلا سلطان ولا صولجان.. وتنزاح من صدر الوطن جبال وتلال وصخور من ريبة ينظر لها العالم في وجل وفزع.. وترتخي تلك القبضة الفولاذية التي كانت محكمة على جيد الناس.. أما العجب والدهشة التي كادت تذهب بعقولنا.. هو موقف تلاميذك الذين كانوا ينظرون لك فيما يشبه التقديس.. كل هؤلاء بل معظم أو الأغلبية الساحقة من هؤلاء آثروا البقاء في قلب وداخل تجاويف الإنقاذ.. صحيح أن قلة قليلة ذهبت معك مضحية بمواقع ووظائف وحتى بعض هؤلاء بارحوا خيمتك ورجعوا إلى إخوانهم في المؤتمر الوطني.. كل هذا لا شأن لنا به مطلقاً.. فقد كتبتم علينا أن نصبح «فراجة» ننتظر على الرصيف ونحن نرى قاطرة الإنقاذ تتجرجر على خطوط الحديد.. المهم هوأن نسمات من أمل قد بدأت تسري في فضاء الوطن.. وبدأت بعض صحائف مثقلة بالخطر تطوى، وسرعان ما حل السلام وصمتت البنادق وانجلى دخان المعارك.. وجاء السلام وجاءت اتفاقية السلام الشامل.. وافتر ثغر الوطن عن ابتسام.. وتمضي الأيام وتكر السنون.. وطيلة تلك السنوات التي أعقبت المفاصلة لم تكف ولم يكف حزبكم حزب المؤتمر الشعبي- ولو للحظة واحدة- من اطلاق نار كثيفة على إخوانكم- اخوان الأمس- في المؤتمر الوطني والإنقاذ لم تتركوا في جسد إخوان الأمس.. بل تلامذة الأمس بوصة واحدة إلا وفيها طعنة وضربة من كلمة.. ناصبتم العداء في شراسة وضراوة.. تجريحاً وتجريماً وسخرية.. وطعناً في كل عمل تقوم أو قامت به الإنقاذ.. لم تهدأوا يوماً واحداً وبانفاس تتقطع كنتم ترمون المؤتمر الوطني «بالذي فيهو والما فيهو» أعلنتم حرباً كلامية فاقت كل خصوم الإنقاذ التاريخيين.. عجيب أمر السياسة في هذا الوطن.. ومريب أن يصبح المرء مصالحاً ويمسى مغاضباً.. أن تشرق الشمس على المرء وهو في جهة معلومة وقبل أن يغادر آخر شعاع للشمس وفي نفس اليوم ليستدير مائة وثمانين درجة وهو في الجهة المقابلة. ولأنك كما أسلفنا من دهاة السياسيين.. فقد اطلقت الأستاذ كمال عمر ليطلق يوماتي.. كل يوم.. كل يوم.. وابلاً من الكلام المر تجاه الإنقاذ.. لم تطلع عليه شمس إلا وهو يرمي الإنقاذ بكل نقيصة.. ثم فجأة وبلا مقدمات.. بل في تحول أشد سرعة وعجلة من هوج ريح عاتية يتحول الرجل إلى داعية للحوار، بعد أن كانت «لزمته» المفضلة واسطوانته الحبيبة هي «لابد من إسقاط النظام».. كان الرجل مشتطاً في العداوة وها هو عاصف في الصداقة.. وصل إلى محطة أن يكون داعية للحوار، ليقول إنه لا بديل للحوار وسندخل الحوار حتى وإن اعتقل الشيخ الترابي نفسه. مولانا الترابي.. أنت فقط الذي يهمنا، وذلك لأنك من عباقرة المفكرين.. إذن دعنا نقول لك إن حصاد خمسين سنة من التجريب كان حصادها فقيراً وبائساً.. فبالله عليك كف عن تعاطي السياسة وتفرغ للفكر والتأليف، وأنت تعلم أن للمجتهد أجران.. أجر إذا أصاب وأجر إذا اخطأ.. نرجو مخلصين أن تكتفي بالأجر الواحد حتى لا تفقده هو الآخر.