المقبول المنا خوجلي أبو الجاز الأسبوع المنصرم توقف البث الاذاعي والتلفاز عن البرامج اليومية بالعاصمة هراري عاصمة زيمبابوي.. وذلك من أجل اعلان نبأ وفاة رئيس اثيوبيا الأسبق منقستو هايلي ماريام عن عمر وقدره سبعة وسبعون عاماً بالمنفى.. حيث لم تكن هناك ضجة اعلامية صاحبت هذا النبأ حتى لدى أهل اثيوبيا..! ويعود السبب في ذلك لتلك القسوة التي كان يتعامل بها مع خصومه.. اضف الى ذلك توجهه نحو المعسكر الشيوعي، والقبضة الحديدية، وخطبه الجهنمية الدموية ذات الطابع الأحمر التي اتبعها هذا الطاغية الذي ألجم ألسنة شعبه.. حيث بلغ به الحال لقطع الألسنة والتصفية الجسدية إن دعا الأمر أو الزج بهم داخل السجون التي شيدت تحت الأرض.. ولد منقستو عام 1937 ميلادي وتلقى تعليمه الاعدادي والمتوسط والثانوي.. حيث التحق «بالدرق» القوات المسلحة ضابطاً بالمخابرات المركزية ما بين عام 1969 و 1973م.. اجتاحت اثيوبيا مجاعات طاحنة، وعم الفقر أرجاء اثيوبيا عدا الطبقة من الأمراء والنبلاء والأثرياء، حيث لم يستطع الامبراطور فعل اي شيء يذكر، مما أثار ذلك غضب بعض الضباط، وبدروهم كونوا خلية سرية نشطة بقيادة «أمان عندوم».. وبتشجيع من المخابرات الروسية انقض العسكر وأطاحوا بالامبراطور هيلاسي لاسي وذلك عام 1974 والزج به داخل السجن حيث توفي به عام 1976 ودفن بالقصر الملكي.. حيث أحكم العسكر قبضتهم على الحكم بقيادة «أمان عندوم».. وبعد بضع سنوات وفي اجتماع شهير لمجلس اعضاء الثورة أقدم منقستو وبكل جرأة على فعلته الشنيعة وذلك بتصفية رفقاء الدرب بمجزرة بشعة، والانفراد بالحكم، حيث سعى لتصدير افكاره المسمومة بداية بجيرانه اهل السودان ونسفه للاتفاقية التي ابرمت بين أهل الشمال والجنوب عام 1972 إبان حكم الامبراطور هيلاسي لاسي، اضف الى ذلك احتضان المعارضة السودانية خصوصاً اهل الجنوب الذين اعلنوا التمرد والحرب على حكومة الخرطوم حيث تشعبت العلاقات السودانية الاثيوبية طيلة جلوسه على كرسي الحكم. ملس زيناوي اسرس عند عشية الخامس عشر من شهر مايو عام 1955م بمدينة «عدوة» شمال اثيوبيا استقبلت عائلة زيناوي اسرس مولودًا جديدًا اطلق عليه نقسا زيناوي اسرس وعند بلوغه سن الدراسة التحق بمدرسة عدوة الاعدادية ثم المتوسطة حيث توجه الى العاصمة أديس ابابا والتحق بثانوية ونجت التي شيدها الامبراطور هيلاسي لاسي عرفاناً للدور الذي لعبه ونجت باشا لتحرير اثيوبيا من الاحتلال الايطالي، ابان حكمه للسودان الذي كان يرزح تحت التاج البريطاني، حيث كان النصر حليف الامبراطور هيلاسي لاسي الذي دخل اديس اببا ظافرًا منتصرًا عام 1941-م.. جلس ملس لامتحان الشهادة محرزًا المرتبة الأولى متفوقاً على كل ابناء اثيوبيا، ثم التحق بكلية الطب البشري وحين اكمل عامه الدراسي الثاني ظهرت حقيقة التوجه السياسي الذي انتهجه العسكر متمثلاً في أفعالهم هنا هيأ نقسا ورفاقه من اجل الكفاح المدني داخل الحرم الجامعي مكونين حزباً سياسياً اطلقوا عليه (اهاديق) ابرز أعضائه نقسا زيناوي ملس تكلي وسيوم وأرقاي وقدري- هنا وقفة لكي يعرف القارئ الأسباب التي حملت نقسا لتبديل اسمه من نقسا الى ملس واليك الرواية بعد عامين نشط حزب اهاديق سياسياً واتسعت دائرة اعضائه، حيث انضم اليه أعضاء جدد من خارج الحرم الجامعي، مما أثار غضب السلطة الحاكمة التي اطلقت حملة التطهير الشهيرة الرعب الدموي الأحمر وفيها قتل من قتل وسجن من سجن ومن ضمن من لقوا حتفهم تحت التعذيب ملس تكلا حينها تخلى ملس من أسمه الحقيقي ونقسا وابدله بملس تخليدًا وتعظيما لرفيق دربه. وفي اثناء المطاردة والاعتقالات هرب معظم جبهة اهاديق الى الجبال والأحراش وقادوا الكفاح المسلح حيث لم يبخل عليهم الاشقاء من اهل السودان، ومدوا لهم يد العون. اضف الى ذلك الدعم المادي والمعنوي من قبل المحافل الدولية خصوصاً اهل الغرب، حينها ضيق الثوار الخناق على السلطة الحاكمة، ولم يتبق لهم سوى بضعة أميال من العاصمة اديس ابابا مما ارغم منقستو للاستسلام للأمر الواقع والهروب الى زيمبابوي.. وعند الثامن والعشرين من مايو 1991 دخل الثوار اديس ابابا دون مقاومة تذكر تحت مسمى الجبهة الثورية الديمقراطية لشعب اثيوبيا التي ضمت كل المجموعات العرقية، حيث تم انتخاب ملس زيناوي رئيساً للبلاد وفي عام 1995م أجريت أول انتخابات برلمانية باثيوبيا انتخب من خلالها ملس زيناوي كأول رئيس للوزراء ينتخبه الشعب.. ركز ملس جل تفكيره لمحاربة الفقر والتخلف وهما العدو اللدود لشعب اثيوبيا، حيث كانت نسبة الفقر 49% وفي غضون خمسة عشر عاماً تدنت النسبة الى 28% مما جعل اثيوبيا من بين اربع دول في العالم من حيث النمو الاقتصادي، اذ حققت نسبة نمو بلغ 9% وتعتبر اعلى نسبة تحققها دولة افريقية.. اضف الى ذلك قيادة ملس زيناوي للقارة الافريقية نحو الانضمام الى مجموعة الثمانية، ومجموعة العشرين الاقتصادية.. وان لأفريقيا صوت مسموع لدى كل المحافل الدولية، حيث انشئ منبر الشراكة الافريقية، وخير دليل على ذلك عندما مثل دول الايقاد لمؤتمر قمة المناخ التي انعقدت فعالياته بمدينة كوبنهاجن.. وكان الابن البار الوفي وذلك من خلال دفاعه المستميت عن هموم شعوب القارة السمراء التي انهكتها الحروب وأصابها الفقر والجوع والتخلف.. معبرًا بلغة التخاطب العذب واللسان المعسول والقلب المفتوح مما جعل كل القاعة تدوي بالتصفيق الحاد، والتزام الدول الصناعية التعجيل بدفع المبلغ الذي تبرعت به لأفريقيا... اما من ناحية العلاقة بين اهل السودان والراحل ملس كان لها طعم خاص وخير دليل على ذلك عندما جمع الفرقاء من اهل السودان بمدينة (ملكي) وكانت النواة الأولى لجمعهم، حيث كانت المرونة أثناء المحادثات التي لا تزال عاصمته اديس ابابا تفتح الأبواب على مصراعيها... وبعد رحيله والحق يقال بكى عليه الرجال والشيب والشباب والصبايا والغيد الحسان والأطفال، لأنه كان كريم الخصال.. بيمناه حمل قوت العيال.. وبيساره راية النضال.