وقفت وجهاً لوجه قبالة صاحب القيطون.. ماذا يريد إعرابي عتيق الخيال، من سوداني أكحل و باهت الحشا، فى شتاء البحر الأبيضٍ المتوسط..؟ كان الحاج معتوق ، قد اصدر أوامره ، بشحن الخبز المتعفن فى قيطونه لعشاء السَّعية.. عجوز، يبدو على حافة القبر ، وقد لا يأتي منه خطر أوضرر..هذه هي سن الخوف الله فى أعراف السودانيين، لكن الشراكة فى الاثم ، أمر شائع الاحتمال ،هنا داخل الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى..! كنت فى لحظتي، تلك اسمع هاتفاً من اعماقي الغريبة : جّايِّ ليه مِنْ بيتكُم ، جَايِّ لَيه..!؟ هذه غربة لا ينفع فيها التوجس ، ولا تجدي فيها المجازفة..ولابأس من الاذعان لأوامر هذا الشيباني الهالك ،عمّا قريب.. دعه يمضي إلى الله ببعض شقائي، وليكن عرقي شفاعة لي يوم لا بنفع مال ولا ينون، إلا من اتى الله بقلبٍ سليم..! هكذا كُنتُ أقحِم شقوتي مع القرآن فى لحظات البؤس.. هكذا كنت أعتقد عند منعطفات الطريق ، بأن روحَ القُدُس قد لامس أرض الناس من أجل سعادتي..! لا بأس اذن من إنجاز هذه المقطوعية واسترباح بعض الدنانير.. قلتُ له، بثقة المؤمن، الذي لا خيار له غير انتظار أجر الآخرة : بكم تستأجرني لشحن هذا القيطون يا حاج معتوق..! تضجّر المِعيتِيق من سؤالي، ولَسعني بلكنة لم أعهدها من قبل: أيش فيك يا سوداني،،أنا ما نَسَقِمْشْ..! يعنى يا حاج ، أنا جيت من ارض المليون ميل، عشان أسَقِّم ليك الخُبز المُعتِّت دا بالمجان..!؟ إنت قايلني أنا الكساندر فليمنج مخترع البنسلين..!؟ و كأنه لم يسمعني.. فتح باب قيطونه، فرأيت فى هيئته الآمرة ملامح القذافي عندما افتتح النهر الصناعي العظيم،، عندما قال لشعبه الأخضر: اكتبوا على المواسير، رسالة للأجيال، بأن هذه هي آخر محاولة لصُنع الحياة فى شمال أفريقيا..! قال المِعيتيق بلهجته الآمرة: هيا، دير هاي الخبز..ربُّكَ قال إنك سوداني باهي..!! يا زول، قول بسم الله..هل أنباك إلهنا الذي فى السموات، بأني جئت أسترْزَق، أم جئت متطوعاً من أجل ثورة قائدها معمر،واللِّي يعاديها يدمر..!؟ كنت أُهذي،كُنت أرفع خفيتاً ،، فهذا إعرابي، يُسّخِرني ليَسْخَرَ مني..يستأجرُني ولن يدفع لي درهماً ولا ديناراً..! يا حاج معتوق، ربُّكَ صاحب الفُرنْ يقول الدايرو..لكن هاي العِبيد يعترف أمامك أيّها المِعيتيق، بأن دولة الكيزان دولة باهية جداً..! شين هاي الدُّوة ..؟! شين بتقول..؟! لا ، ولا حاجة..، بس داير اقول ليك إنو الجماهيرية أحسن برضو ..فالتمكينيون فى بلدي، لا يحدثونك مُطلقاً عن حقوق الطبقة ، و لا يعشِّمون أمثالي أصلاً فى حق العمل،، فتلك دولة خالصة لهم من دون العالمين..! أيش تقول يا سوداني..؟! اقول شنو يا حاج..؟ أنا بقدر أقول حاجة..؟ أنا عارفك ما حتدفع لي و لا ملّيم، لأن الأجر فى الجماهيرية العظمى على الله.. لكن برضو كتر خيركم، أديتوني فرصة عمل، عشان ما يجي زول ، يقول إني قاعد عاطل..! يكفيني استيعابكم لي ، فى زُمرة :شركاء لا أُجراء..! أيش فيك يا سوداني، إنت تِحْكي سِياسة..؟! سياسة مين يا عمك، أنا ما نَسَقِمْشْ فى السِياسة..! حاشية: ما نَسَقِمْشْ، بلغة الليبيين، تعني عدم القدرة على فعل الشيئ.. و الدُّوة ، معناها بلغة السودانيين،، يا زول بتنبح مالك ، إنتَ بِتْقول في شِنو..!؟