كثير من أبناء هذا الوطن يتساءلون عن علم السودان.. البعض يرى أننا أضعنا رمز الاستقلال المكون من ثلاثة ألوان، هي الأزرق والأصفر والأخضر، والتي حفظها أبناء عهد الاستقلال وما بعده من أمثالنا الذين ترسّخ العلم بألوانه الثلاثة في أذهانهم عندما كنا نخرج في احتفال الاستقلال من مدارسنا في طابور رسمي، نحيي ذكرى الاستقلال بأناشيد ما زالت في الذاكرة، أولها (اليوم نرفع راية استقلالنا) وثانيها (علمي أنت رجائي).. والأخير يفصّل في الألوان ورمزيتها. جاء نظام حكم الرئيس الراحل جعفر محمد نميري في الخامس والعشرين من مايو 9691م، وكان المد السياسي والفكري الغالب حينذاك هو القائم على أرضيات اليسار والمستند على خلفياته، المدعوم بمنهج القوميين العرب الذين كان يعبّر عنهم فكر الثورة المصرية- 32 يوليو 2591م- وزعيمها الراحل الرئيس جمال عبد الناصر. تأثر الشباب الثائر بالفكر الماركسي كما تأثروا بالنهج الناصري، وكان العلم المصري الأخضر ذو الهلال والنجوم المعبّر عن مصر الملكية قد تغيّر في أعقاب الثورة المصرية وتغيّرت أعلام كثير من الأقطار العربية التي شهدت ثورات وانقلابات قام بها صغار ضباط الجيش تمشياً مع روح التغيير العامة، وأصبح العلم الرباعي الألوان، هو علم كثير من تلك الأقطار، مع اختلاف الترتيب.. ولك أن تقارن الآن، فستجد أن كل أعلام الثوار في ذلك الزمان متقاربة بدءاً من مصر وسوريا والعراق واليمن وليبيا وفلسطين والسودان، وكلها تستشهد بأبيات الشعر التي قالها الشاعر العربي صفي الدين الحلي، في قصيدته الأشهر (سلي الرماح العوالي) والتي جاء فيها:- إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفاً أن نبتديء بالأذى من ليس يؤذينا بيض صنائعنا.. سود وقائعنا خضر مرابعنا.. حمر مواضينا وفي اليوم العشرين من مايو عام 0791م، اعتمدت حكومة الرئيس جعفر نميري- رحمه الله- علم السودان الحالي بشكله المتعارف عليه الآن، بعد أن طرحت أمر تصميمه في مسابقة عامة شارك فيها المئات من التشكيليين والمسؤولين والمواطنين، ليفوز التصميم المقدم من الفنان التشكيلي عبد الرحمن أحمد الجعلي- أطال الله في عمره- وهو من خريجي ذلك العام نفسه- 0791م- في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بالخرطوم، قسم الجرافيك.. وتم رفع العلم الجديد في الذكرى الثانية لانقلاب مايو، ليتراجع علم الاستقلال الذي صممته السيدة الفضلى، الأستاذة السريرة مكي الصوفي- أمد الله في أيامها- والذي كان ينظر له النظام المايوي على أنه رمز للرجعية وفيه إشارة واضحة للعهد البائد. (الهوجة) الثورية تراجعت، والغناء للقومية العربية والذي أضر بكثير من مكونات المجتمعات في عدد من دولنا مثل العراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا.. ذلك الغناء انحسر مده ولم يعد يطرب أحداً، بل إن بعض الدول شهدت ثورات على الثورات مثل ليبيا التي عادت إلى علمها القديم، وبعض الدول عادت إلى سلامها الوطني القديم أو وضعت لها سلاماً وطنياً جديداً، مثل مصر التي عادت إلى أغنية الموسيقار سيد درويش الوطنية الخالدة (بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي).. وقد كان ذلك في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، الذي استبدل النشيد الوطني (الله أكبر يا بلادي فاشهدي.. جيش الاتحادي جاء يبغي مصرعي) والذي اتخذه أيضاً العقيد الليبي الراحل معمر القذافي نشيداً وطنياً لليبيا في عهد حكمه. ليتنا أعدنا النظر في أمر العلم دون انفعال أو غضب أو حساسيات.. لكن ابقوا على النشيد الوطني (نحن جند الله) الذي برزت أقلام وأصوات تطالب بتغييره ومنها قلم صديقنا وزميلنا الأستاذ الطاهر ساتي في زوايته المقروءة (إليكم) بالعزيزة (السوداني).. و.. علمي أنت رجائي.. أنت عنوان الولاء.