خمسة آلاف أو يزيدون أفلحوا في دخول سنار وتاريخها، فكم بقوا أسيري الذكريات وأشواق الإنتساب لسيرة ذاك التلاقي الفريد الذي اصبح اليوم أنشودة علي كل لسان..التاريخ يعيد نفسه أحياناً ولعله يفعل ذلك الآن فيتراءى مخضباً بأنفاس الطلاب مخزون المستقبل، متزامناً مع حوار الحاضر، وألق الذكرى، والتفنن في عشق التراب، وتجديد العهد علي أمل وطن(شامخ)كما كان.. يوحي برغم الجراح أنه فوق الجراح. في يناير كل شيء يأتي موحياً، ناهيك أن يتزامن مع ربيع المولد الأغر وأذكاره الصداحة المفعمة بالوعد الحق لتنداح الآفاق والبشريات امام مسابقات الطلاب المتوثبين للتجديد..لعلنا نلتقط المعنى..معنى أن يكون الاستقلال وإن طال الزمن وتكررت الأقوال تماماً كما صممه الآباء والأجداد الأماجد، يترع بدلائل الوحدة والتنوع، وقوة الإرادة والعزم على انجاز مهام ما بعد رفع العلم (من التحرير الي التعمير).. لقد تلاقت مناسبات جليلة الشأن لتبقينا طي الآمال المؤجلة والذكريات الرائعة..أن تلتئم الدورة المدرسية هذه المرة في أجواء(المولد) وصدى الاستقلال وفي أحضان انسان سنار وحاضرتها سنجه.. فهذا امر جدير بالتوقف عنده واستخلاص ما يجدد العزم ويثري الوشائج في مواجهة كل ما هو كئيب ومفلس..عبقرية البداية أول ما نتذكر والدورة تستلهم أمجاد سنار لتنداح المعاني بين التاريخ والحاضر، كأنها فرصة أخيرة لنفهم الدرس.. كيف نبني دولة السودان ونحن أنفسنا الذين بنينا (دولة سنار) فعرف العالم من نحن..هل نعتبر؟. في هذه الأجواء السنارية تستوقفني بداية الدورة المدرسية، فهي أولى بالاستدعاء ضمن ما هو محل الاعتبار..انها قصة جديرة بأن تدشن ضمن منظومة البدايات المدهشة منذ اندلاع الحركةالوطنية«مؤتمرالخريجين، الاستقلال من داخل البرلمان، السودنة، المائدة المستديرة، انفتاح جامعة الخرطوم علي المجتمع، جامعة الجزيرة، جامعة جوبا، مؤتمر أركويت، امتداد الصحافة،ملف الحريات» مبادرات مجتمعية ناجعة لا حصر لها متصلة بحاجة البلاد وراءها شعب مستنير وصحافة مبادرة..هل من مزيد؟..المزيد متاح من تلقاء صفاء الذهن واخلاص النية، وشحذ ارادة الفعل الوطني والتطلع لبصمات تعين علي تحري رؤية المستقبل. من أين جاءت فكرة الدورة هذه التي نحتفي بنسختها«24»؟.. السؤال مهم ويستحق أن يشكل فعالية قائمة بذاتها، بين فعاليات كل دورة.. فكرة التوثيق لتجاربنا ورواد نجاحاتنا تحتاج لتدابير حميمة لنمضي بخير ما أرست الأجيال السابقة- وما اكثره..ما أنفعه.. إن الذي توحي به البدايات كثير متي تحسسنا فضيلة الوفاء في الباقين علي العهد..أول ما خطر لي وأنا اكتب لأحيي الدورة متاثرًا بمشاهد انطلاقتها هو أن البداية كانت وراءها عبقرية الصحافة السودانية - ذات الصحافة التي ارتبطت بالاستقلال كما أرخ المؤرخون..توالت العبقريات مأخوذة بسحر البداية، وتواقة للاضافة ضالة كل جيل..فمن دورة رياضية بحتة علي أيام (الصحافة) وقطبا القسم الرياضي بها«حسن مختار، وأحمد محمد الحسن» الى ثقافية ايضاً فشاملة متنوعة منهجية في جميع الأحوال لتواكب العصر.. تقوى وتقنية - غاية آمال الآباء في أبنائهم. مبادرات متلاحقة مستلهمة من تجاوب المجتمع وأسر الطلاب وابتكارات الاساتذة والمعنيين بالثقافة والتربية والتعليم ورعاية الدولة، ولابد ان ذلك يثير الذكريات حول رموز بعينها تفانت في التلاحم مع اهداف الدورة.. وسيذكر التاريخ اسماء لنا(المربي عبد العزيز عبد اللطيف وصحبه، الموسيقار علي ميرغني، بروف أحمد عبدالعال) عليهم رحمة الله، واترابهم ممن بقوا علي العهد في لجان التحكيم والاشراف والمهرجانات..هذا تراث قومي ليس مكانه مقالة..مكانه(كتاب الدورة) ومنصات التكريم. إن ادارة النشاط الطلابي وقد اصبحت محضناً لثمار هذا المنهج التربوي التعليمي المتكامل، وموردًا لتجديد دماء الدولة والمجتمع بالقادة والمبدعين في كل مجال عليها أن تتطور وأن تبقى بين عناصرها الخلوقة من يرعون فكرة تواصل الأجيال والتوثيق والتكريم والاحتفاء برموز التجربة لنتذكر لمساتهم فنحذو حذوهم فتتجدد المفاصل..التحية لأرتال هذا الإرث بالمركز والولايات فلقد اتاحت لي ظروف العمل بالتلفزيون والبرمجة والنقل المباشرأن اشهد عن قرب تألقهم في عدة دورات سابقة..إن الامر جدير بالرصد وبأن نستلهم الكثير المنتج من وحي فكرة البداية والاضافة والقدرة علي المبادرة بما هو مبتكر ومناهض للرتابة واجترار الماضي في كل عيد..التجديد يتجلى لنا عبر تجاوب انسان الولاية، وعروض الافتتاح والختام والمسرح والاستاد والمنافسات المشوقة التي تشعل الآمال في اجيال قادمة، تستعصم بالثوابت، وتواكب العصر وتتمسك بالأهداف الكلية للبلاد وتعرف كيف تجسدها علي ارض الواقع(فعلاً). الدورة هكذا اقترنت بالإستقلال لتغنينا عن إجترار الماضي، ولتؤجج بالجديد المفرح الفكرة المجيدة لرواد الحركة الوطنية(حاجة البلاد الآن) وحدة بنيها وأراضيها-أوليس هذا هو مدار حديث الأمس واليوم؟. وللخواطر تداعياتها: ليلة السبت وأنا اكتب هذا فوجئت بعروض طلابية باهرة علي شاشة النيل الأزرق فحسبتها من مسرح الدورة المدرسية بسنار..! فإذا هي من قاعة الصداقة..ابداعات الصندوق القومي لرعاية طلاب الجامعات يشهدها النائب الأول ووزراء يوزعون الجوائزعلي فائزين في مسابقة ابداعية قومية هي العاشرة.. يبدو أن الإبداع في بلادنا ليكافح الإحباط ما كان ينقصه إلا(صندوق، وعقليةراعية) في(صمت) واشواق بدرجة(ثورة ثقافية..وقد فعلها بروف نقرابي واركان ابداعه بسياسة التغلغل في المجتمع والدولة من أسخى الأبواب(دع الف زهرة تتفتح).. فمبروك.