انتحب وذرف فاقان أموم الدموع سخينة وهو يتابع أداء فرقة موسيقية من جامعة جوبا تعزف لحناً شجياً لاعتماده كنشيد وطني لدولة الجنوب التي لم يتبقَ لميلادها إلا بضعة أيام.. وقديماً قيل الدمعة تذهب اللوعة ولولا الدموع لتصدعت الأكباد. فاقان أموم منذ مغادرته الخرطوم معفياً من منصبه كوزير لشؤون مجلس الوزراء بعد تصريحاته عن الدولة الفاشلة جعل الانفصال هو مبلغ علمه ومشروع حلمه لإقامة دولة جديدة في الجنوب، حشدت لها المشاعر والعواطف الجياشة والآمال العراض والتطلعات والأغاني والمراثي والصبايا والزهور والليالي المخملية.. لن يبكي فاقان وحده من أجل دولة الجنوب القادمة سيبكي في الشمال الطيب مصطفى وسوركتي فرحاً، ويقيمون الأفراح والليالي الملاح لمغادرة فاقان منطقة جودة بالنيل الأبيض والتوجه جنوباً، فالوطن الذي كنا نحلم بيه يوماتي وطن شامخ عزيز ديمقراطي، أضحى على حافة الانقسام لدولتين، وأبلغ نجاح قد تحققه مفاوضات اللحظات الأخيرة في الخرطوم، أن يطمئِن الشمالُ الجنوبَ بأن طلقة واحدة لن توجه اليه من الحدود، وكذلك تقول قيادات دولة الجنوب.. أما نقل المفاوضات بين الشريكين إلى أثيوبيا وأمريكا وبقية البلدان الأفريقية ما هي إلا عناوين لمرحلة قادمة. (سيبكي) فاقان كثيراً لانفصال الجنوب فرحاً بميلاد دولة حلمه، وقد أغفل فاقان أموم كل تاريخه النضالي في الحركة الشعبية، ومارس الخيانة لقائده الفذ د. جون قرنق الذي يهتز قبره حزناً وغضباً حينما يتنامى لمسامعه في مرقده الأبدي أصوات أبناء قرنق وهم قد أدبروا عن وحدة السودان بليل بهيم، وأقبلوا على الانفصال في رابعة النهار الأغر في اختيار انتهازي للحل السهل، ونكوص علني وجهري عن نصوص الاتفاق الذي أبرمه قرنق مع علي عثمان بأن يعمل الطرفان من أجل الوحدة خلال الفترة الانتقالية، مع خيار حر لمواطني الجنوب من خلال الاستفتاء. وفي مشهد آخر بضاحية أركويت في قلب العاصمة الخرطوم يبكي وليد حامد وياسر عرمان ومحمد سعيد بازرعة وياسر جعفر وحتى علوية كبيدة التي جرحها أحمد عباس في كبدها وجرحها فاقان أموم بدموعه، وقيادات الحركة الشعبية من قطاع الشمال يشعرون بخيانة الرفاق الجنوبيين، والتنكر لكل الشعارات القديمة والعزف على أنغام الانفصال، التي تمثل حنجراً مغروزاً في قلب ياسر عرمان الذي من أجل الوحدة ضحى بكل شيء.. قاتل في الغابات وجعل من صورته (ديكوراً) في سوق السياسية الاقليمية والدولية لتجميل وجه الحركة الشعبية، وأصباغ القومية على منهجها وسلوكها، لكن في آخريات المطاف وكما يقول أهل كردفان (آخر البليلة حجارة) باعت الحركة جزءاً منها في سوق الانفصال وذرفت الدموع من أجل دولتها، وتركت عرمان ووليد حامد يعزفون لحن مشهد الختام، (باقان كيف تتركنا وترحل ودمعك كالمزن في الهملان فما الشمال من بعد رحيلكم ومواعيد المحبة والغرام).