في الأخبار أن وزير الأوقاف في ولاية نهر النيل أكد للصحافيين أنهم استعانوا بالسماسرة لمساعدتهم في رفع أجور الأوقاف في الولاية، وكان واضحاً أن سيادته فخور بهذا الإنجاز، وأنه يتطلع أن يكون في ميزان حسناته يوم القيامة، لا نريد من سيادته أن يوضح لنا حجم العمولة التي تقاضاها السماسرة في تلكم العملية التي نفذوها بجدارة (وقطع شك) لن يكونوا قد احتسبوا هذا الجهد لينتظروا الثواب من الله في الآخرة، فسيرتهم تؤكد دائماً وأبداً أنهم ناس حاضرة، وأن العمل الصالح في قاموسهم هو أن لا تؤجل فائدة اليوم الى الغد لأنهم عادة لايعرفون شيئاً عن (حجر الدغش) الذي نؤكد أنهم لم يضربهم في يوم من الأيام. صحيفة آخر لحظة اهتمت بالأمر وأبرزته في الصفحة الأولى، وبالطبع لم تعلق عليه، فالخبر مقدس ولكن لنا رأي في هذا الموضوع الخطير، فهذا تقنين رسمي لمهنة تتكسب على مص دماء الناس وهي بالتأكيد مهنة من لا مهنة له، مهنة طفيلية كاملة الدسم وسنعرض نموذجاً علمياً (لفعايل) السماسرة وضربهم للاقتصاد السوداني في مقتل.في العام الماضي مثلاً اجتهدت وزارة الزراعة والمزارعون اصة في البيوت المحمية في زراعة الطماطم بكميات كبيرة تكفي حاجة السوق المحلي، وكان المزارعون قد قدروا بعد حساب التكاليف أن كيلو الطماطم إذا بيع من عندهم بسبعة جنيهات فإنه مجزي للغاية، وقد فعلوا ذلك وهنا تدخل السماسرة الكبار والصغار حتى وصل سعر الكيلو للمستهلك الى 30 و35 جنيهاً (الجنيه ينطح الجنيه) فإذا قلنا إن ترحيل الكيلو بجنيهين وربح الخضرجي جنيهين وجدنا أن السماسرة قد سرقوا أكثرمن عشرين جنيهاً، بسبب صفاقتهم بتلك الوجوه الباردة التي فارقها الحياء برحيل الضمير، وتغلب المصلحة الذاتية والنهم والشره للمال لو كانوا واعين لأدركوا أن لا بركة فيه وأنه لا يمكث بين أيديهم، ومن النادر أن تجد سمساراً يحمد الله فدخله كله ممحوق.هؤلاء ارتضوا أن يعيشوا مثل الطفيليات وهم سبب رئيسي في المعاناة بسبب المضاربات اللا خلاقية التي يمارسونها، وجشعهم اللامحدود كأنهم أحواض رمل، والكل يعرف ذلك وهذه كارثة في حد ذاتها إلا أن الكارثة الأكبر في إتاحة الفرص لهم ليتمددوا أكثر والثناء عليهم بل تتم الاستعانة بهم بصورة رسمية تقنن لهذه الوظيفة الطفيلية وتمكنها من رقاب البلاد والعباد. صحيح أن هناك فئة (هاي) تمارس السمسرة على مستوى دولي وتسميها (كوميشن) أو عمولة وهذه بدورها سددت طعنات نجلاء للاقتصاد السوداني وجعلت الاستثمار الأجنبي ولى هارباً في أحيان كثيرة، وذلك أمر انتبهت له الدولة وبدأت في محاربته ولو بصحوة متأخرة، ورغم بطء الخطوات إلا أننا نأمل ان ترتفع وتتسارع الوتيرة، ولكن النموذج الذي بين أيدينا يجعلنا نضرب كفاً بكف.المسؤول الذي يعجز عن حل المشاكل بطريقة إبداعية رغم أن بيده السلطة وقوة القانون ليس جديرا بذلك واللجؤ للطرق الملتوية لا يمكن أن يسفر عن سلوك صحيح، إذ كيف يستقيم الظل والعود أعوج ؟ نأمل أن يتوقف مثل هذا النهج قبل أن يصبح ممارسة عادية، وقبل أن يتمدد السماسرة في كل المفاصل ونسمع غداً عن سمسار (غليد) يتقدم بعرض للحكومة للمساعدة في حل الديون الخارجية أو يستعين النائب العام أو المراجع العام بالسماسرة لاسترداد الأموال الملغوفة، مما يمهد الطريق حينها لانشاء المستشارية العليا لشؤون السمسرة والسماسرة تمهيداً لانشاء وزارة قومية للسمسرة، نثق أن شاغلي مناصبها الدستورية سيكونون على (قفا من يشيل) وبمؤهلات عليا وخبرات ثرة وسيرة ذاتية مفعمة باللغف والشطف والهبر. اللهم إنا نسألك العفو والعافية.