لا أظن أن قارئ الكريم ينتظرني أن أحدثه عن الجنرال حسن فضل المولى، أحد جهابذة الإعلام في بلادنا ومبدع بدرجة مشير، فالجنرال تعرفه إدارته الرشيدة لبرامج تلفزيون السودان في أحلك الظروف، وأكثر فتراته تعقيداً، فعبر به إلى بر الأمان فحفظ للحكومة حقها وللتلفزيون حقه وللمشاهدين حقوقهم، وأعني أيام الإنقاذ الأولى التي جعلت من التلفزيون مسرحاً سياسياً وجهادياً، ودون ذلك استثناء والجنرال يعرّف به المجد التليد الذي بناه لقناة النيل الأزرق، التي حررها من قيود التشفير ثم جعل منها عروساً للقنوات الفضائية العربية، وإن نسينا لن ننسى ما حققه الرجل ملحقاً إعلامياً بسفارتنا بجمهورية مصر العربية من نجاحات لم نسمع أن حققها ملحق إعلامي، واليوم عندما نقول للأخ الأستاذ حسن استقيل فلا نعني بأية حال من الأحوال أن معينه الإبداعي والإداري قد نضب، أو أن حكمته قد «طشت شبكة»، ولكن المتابع لما يدور داخل أروقة قناة النيل الأزرق يلحظ أن الرجل بعيداً عن مسرح الأحداث تماماً، وهو المعروف له في مثل هذه الأحداث أنه من يلعب دور البطولة وغيره الكومبارس كما أشعرنا غياب دوره عن فقدانه للريموت كنترول الذي كان بيده لسنوات طويلة، يتحكم فيه كيف يشاء. لا نخفي أننا في بادئ الأمر ظننا أن وراء صمت الرجل كلام، ولكن مع تصاعد وتيرة الأحداث حيث لا ينفع الصمت وضح أنه لا كلام والسلام. من كان يتوقع أن الجنرال سيكون في يوم ما واحداً من المتفرجين على مسلسل الإثارة المتواصلة «بقناة النيل الأزرق» دون أن يكون له رأي، ناهيكم عن أنه كان الآمر والناهي، ومن كان يتوقع أن نسمع باستقالات وتنقلات وأحاديث هنا وهناك داخل القناة، إذا كان للجنرال دور مثلما كان، فكلها أحداث تؤكد تقليص صلاحياته، لأن ما يحدث الآن لم يحدث أبداً طوال سنوات إدارته الفعلية للأمور ب(النيل الأزرق) فلماذا الآن تحديداً؟!. قدم استقالتك أخي الجنرال ولا تهدم ما بنيته من مجد لم يسبقك عليه أحد في مجال إعلامنا السوداني، فما يدور الآن محسوب عليك وعلى تاريخك الناصع البياض، نقول لك ذلك ونحن مجبورون على قوله بعد أن عاد إلينا صدى الكلمات التي وجهناها للشريك الجديد في القناة الأستاذ وجدي ميرغني أن يترك الخبز لخبازينه، وأن يعطي الكلمة لمن يمتلكون مفاتيح نجاح القناة من الحرس القديم الذي حقق لها استقراراً ما منظور مثيله، في أي من مؤسساتنا الإعلامية، هذا غير الاسم والرسم الذي يباهي به كل العالم.. استقيل يا جنرال فموقعك شاغراً في الكثير من مؤسسات الدولة الإعلامية وغير الإعلامية، ونحن نثق إنك مثل الغيث أينما وقع نفع. حاجة أخيرة: لا نشك أبداً في وطنية الأخ وجدي ميرغني، نعلم اهتماماته الرياضية والثقافية والفنية وعشقه للإبداع في شتى ضروبه، ولكن الاستثمار في الإعلام ليس كالاستثمار في السمسم والمحاصيل الزراعية الأخرى.