٭ « وعن إذنك» صديقي هاشم صديق. ولأنه قد فاض بي الكيل وتجرعت من الألم كؤوس مترعة.. دعني أردد معك.. وأنت في نفس حالتي.. خليتني أرجع للقلم.. وأتحدى بالحرف الألم وأضحك مع الزمن العريق.. وأنسف متاريس الطريق أعرف متين أبقى المطر.. وأفهم متين أصبح حريق والحريق يجتاحني.. وتأتي مايو.. وتجلس صخرة على صدر الشعب السوداني البديع.. وتتفرز جبلاً في جسد الوطن الجميل. ٭ والإذاعة تنسى.. أو تتناسى.. الإذاعة تنكر أو تحاول الإنكار أن هناك ثورة اسمها أكتوبر قد صرصرت رياحها عنيفة هائلة في أرجاء الوطن البديع.. وأمر من «مايو» أو من أحد «ناس» مايو أو حتى من رئيس مايو شخصياً.. أنه لا عيد لواحد وعشرين أكثر في برمجة الإذاعة في ذلك اليوم المجيد.. وإنه لا «ملحمة» تجلجل من أي استديو في ذاك اليوم الرهيب.. ستة عشر عاماً من دروان الشمس وستة عشر سنة وعيد أكثر يغشي البلاد والناس نسال العيد وافى فأين البشر والطرب.. ستة عشر عاماً والإذاعة تصمت صمت القبور في ذاك اليوم الرهيب، أو تثرثر ثرثرة العجائز على «جلسة قهوة» 61 عاماً من عمر مايو والإذاعة تنكر أنه وفي مثل هذا اليوم من عام أربعة وستين وتسعمائة وألف.. تدفق الشعب السوداني ومن نخلات حلفا وللغابات وراء تركاكا ومن دارفور الحرة نبيلة وكل قبيلة إلى التاكا.. يهدر في الطرقات وكل أغصان النيم في الأيدي كما المشاعل.. ولا صوت من هذه الإذاعة الخجولة في ذاك اليوم .. لا صوت لصلاح ولا تحية لثوار المجد.. ولا ابتهاج بعودة حقوق المرأة الكانت ضائعة.. والإذاعة خجولة. أو خائفة أو مأمورة أو مذعورة.. تزيد الرتاج إحكاماً وتضرب ضلفتي الباب إغلاقاً.. وتسجن في صرامة كل شريط.. يذكر الناس بتلك الذكرى الشاهقة.. ٭ حصار مضروب على «علي عبد القيوم». حتى لا ينشد.. أكفنا الراية البيضاء والسلاح.. وتعتيم مقصود وحراسة مشددة علي محمد المكي إبراهيم.. وتقييد لسانه بالجنازير حتى لا يتسرب صوته عبر المذياع.. وهو يتحدى.. أي المشانق لم تزلزل بالثبات وقارها.. ولا تنكر ذاكرة الإذاعة المثقوبة أن الأزهري .. قد وقف مزهواً ومعانقاً المحجوب.. في «ترسو» المسرح القومي.. وهاشم وأبو اللمين يهدران كما الرعد.. وطني نحن سيوف أمجادك نحن مواكب تفدي ترابك.. ٭ صديقي الزبير.. هكذا كانت الإذاعة في كل ذكرى لأكتوبر في العهد المايوي الذي تمدد ستة عشر عاماً حسوماً.. تحتفل ب «شم النسيم».. ويوم مفتوح في « غابة السنط» ومكرفون ينتقل في كل «لمة» أو «حفلة» أو « قعدة» فصمت وإنكار بل محاولة لتزييف التاريخ.. أو التأكيد على أنه ليس هناك شيء اسمه اكتوبر أو ثورة اسمها أكتوبر قد جرت أحداثها في البلاد.. أو إن اكتوبر هي مؤامرة على الوطن وتلك قصة أخرى نحكيها بالأحد. لك ودي